|
|
|
|
|
|
معلومات ، دينية ، ثقافية ، علمية ، طبية ، فنية love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:53 pm ذا النص القرآني الكريم جاء في أوائل آيات النصف الثاني من سورة المدثر وهي سورة مكية,و وآياتها ست وخمسون (56) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم الذي هو كناية عن رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ كناه الله - سبحانه وتعالي - به لأنه - صلوات الله وسلامه عليه - عاد إلي بيته من غار حراء مرتعدا مما سمع من الوحي لأول مرة, فقال لزوجته أم المؤمنين السيدة خديجة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ فور عودته إلي البيت: دثروني, دثروني, فنزلت هذه السورة المباركة التي يدور محورها حول تكليف رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالنهوض بأعباء الدعوة إلي الله, محذرا الناس من عذاب الآخرة إن لم يؤمنوا بربهم وخالقهم ورازقهم: الله الواحد الأحد, الفرد الصمد, المنزه في أسمائه وصفاته عن جميع خلقه, وتأمره الآيات أن يعظم ربه, وان يطهر ثيابه, وان يترك كل أمر يستوجب غضب الله وعذابه, وألا يستكثر ما يعطيه للناس مما رزقه الله ـ سبحانه وتعالي ـ وان يصبر علي تنفيذ أوامره. ثم تنتقل الآيات بالحديث عن شقي كافر باسم الوليد بن المغيرة, الذي هزه ما استمع إليه خلسة من القرآن الكريم, واعترف بأنه لا يمكن أن يكون بقول بشر, إلا أن تمسكه بالدنيا وحبه للزعامة والرئاسة دفعه إلي إنكار اعترافه وإلي الكذب بالادعاء علي القرآن الكريم بأنه من السحر الذي نقل عن الأولين, فجاءت الآيات مهددة له ومتوعدة إياه بنار جهنم وعذابها. وحينما نزلت هذه الآيات نطق كافر آخر هو أبو جهل عمرو بن هشام مستهزئا بقلة أعداد خزنة جهنم فنزل قول ربنا تبارك وتعالي:] وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ ر31). ثم تنتقل الآيات بعد ذلك إلي القسم بالقمر, وبالليل عند انتهائه, وبالصبح إذا طلع نوره وانكشف علي أن جهنم هي احدي البلايا الخطيرة للخلق المكلفين, فمن شاء منهم أن يتقدم إليها أو يتأخر عنها بعمله, فكيف يستهين بها الكفار المكذبون بالدين ويستهزئون بخطرها؟! والقسم من الله ـ تعالي ـ هو من قبيل تنبيهنا الي خطر الأمر المقسم به وأهميته, لأن الله ـ سبحانه وتعالي ـ غني عن القسم لعباده. وتختتم سورة المدثر بالتأكيد علي أن كل نفس مرهونة عند الله ـ تعالي ـ بعملها في الدنيا, وأنها لا تفك من قيدها حتى تؤدي ما عليها من حقوق[color=red]( إلا أصحاب اليمين) من عباد الله المؤمنين الذي فكوا قيودهم ورقابهم من عذاب الآخرة بإيمانهم بالله تعالي والتزامهم بطاعة أوامره, واجتناب نواهيه, فيدخلهم ربهم جنات النعيم, وهم فيها يتساءلون كأنهم في حوار حي مع المجرمين من الكفار والمشركين والطغاة الباغين في الأرض والمتجبرين علي الخلق, وأولئك المجرمون يجيبون معترفين بجرائمهم في الحياة الدنيا. وترد الآيات في ختام هذه السورة المباركة بقول ربنا تبارك وتعالي: ] بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً * كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ الآخِرَةَ * كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ * وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ المَغْفِرَةِ : ـ56). [color=red]من ركائز العقيدة في سورة المدثر: (1) الإيمان بالله تعالي وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. (2) التصديق ببعثة الرسول الخاتم, وبالقرآن الكريم الذي أنزله الله ـ تعالي ـ إليه هداية للخلق أجمعين إلي يوم الدين. (3) اليقين بحتمية الآخرة, وبكل ما جاء عن أهوالها وأحداثها في كتاب الله, وأول ذلك النفخ في الصور: نفخة البعث والنشور التي عبرت عنها سورة المدثر بقول ربنا تبارك وتعالي: ] فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ olor=darkgreen]وذلك من قبيل بيان هول الأمر وشدته. (4) التسليم بأن كل نفس بما كسبت رهينة الا أصحاب اليمين. (5) الإيمان بحقيقة كل من الجنة والنار وبحتمية الخلود في أي منهما, وبأن أهل النار لا شفيع لهم في يوم القيامة. من ركائز العبادة في سورة المدثر: (1) ضرورة الدعوة إلي دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة, وبالجدال بالتي هي أحسن, وبالصبر علي ذلك. (2) الأمر الإلهي بالمحافظة علي كل من الطهارة الحسية والمعنوية, طهارة كل من الثوب والبدن, والنفس والسلوك من القاذورات والنجاسات والمعايب والآثام التي تؤدي إلي غضب الله ووقوع عقابه. (3) النصح بالمداومة علي ذكر الله, وتعظيمه, وتنزيهه عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله. (4) النهي عن المن بعد العطاء أو انتظار العوض بأكثر منه. (5) ضرورة الصبر علي أداء الطاعات و المصابرة عليها. (6) الأمر الإلهي بضرورة المحافظة علي الصلاة المفروضة, والحرص علي إطعام المساكين. (7) التنبيه إلي خطورة الكلمة, وذلك بالتحذير من الخوض في أعراض الناس أو من المشاركة في ذلك مع الخائضين. من الإشارات العلمية في سورة المدثر: (1) القسم بالقمر إشارة إلي أهميته في استقامة الحياة علي الأرض. (2) القسم بتبادل كل من الليل والنهار وهو من ضرورات استقامة الحياة علي الأرض. (3) الإشارة إلي جنود الله التي لا يعلمها إلا هو ـ سبحانه وتعالي. وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة خاصة بها, ولذلك أركز هنا علي ما قد علمنا من جند الله عبر تاريخ البشرية الطويل. من أوجه الإعجاز العلمي في الإشارة إلي جنود الله: جاءت الإشارة إلي جند الله سبحانه وتعالي في العديد من آيات القرآن الكريم التي منها قوله تعالي: (1) ] ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ[ ( التوبة:26). (2) ] إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ ( التوبة:40). (3) ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً [( الأحزاب:9). (4) ] وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ * إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ [ ( يس:29,28). (5) ] وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ [( الصافات:173). (6) ] هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * لِيُدْخِلَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً * وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً * وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [ ( الفتح:4 ـ7). (7) ]... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [ ( المدثر:31). والواضح من هذه الآيات أن جنود الله كثيرون لا نعلمهم ولكن الله - تعالي - يعلمهم ويسخرهم علي من يشاء من عباده وقتما يشاء, وحيثما يشاء, وبالقدر الذي يشاء. والآيات تشير إلي أن من جند الله ما لا يراه الناس ومنهم ما قد يدركونه, ومن الجند المدركين: الريح, الصيحة, الزلازل, البراكين, العواصف, الأعاصير, الأوبئة والأمراض, والإعاقات المختلفة, الحرائق والإغراق وغير ذلك من الابتلاءات المحسوسة. ومن الجند غير المدركين الملائكة وهم خلق من نور, لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون, ولا يتصفون بذكورة أو أنوثة, وهم خلق مكرمون, علي حال واحدة لا يطرأ عليها تحول أو تبدل إلي أن يشاء الله - تعالي -, وعلمهم ومعرفتهم مما يتلقونه من الله - تعالي - مباشرة, وهم مفطورون علي عبادة الله وتسبيحه وحمده وتمجيده وطاعته دون توقف أو فتور: ] لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[ ( التحريم:6). والملائكة هم أهل السماء, ولكن ينزلهم الله - سبحانه وتعالي - إلي الأرض في مهام محددة كما أنزلهم لأنبيائه ورسله ومنهم إبراهيم ولوط ومحمد - صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين - كما أنزلهم للسيدة مريم العذراء - رضي الله عنها, كما أنزلهم في غزوة بدر وفي ذلك يقول الحق - تبارك وتعالي -: ] إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ [ ( الأنفال:9 -13). وفي نفس الموقف جاء في سورة آل عمران قول ربنا - تبارك وتعالي -:] إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُوا خَائِبِينَ ان:124 -127). من هذا الاستعراض السريع يتضح أن لله جنود السماوات والأرض ما نعلم منهم وما لا نعلم, ومن جنود السماوات التي أخبرنا بها القرآن الكريم الملائكة وهم خلق من نور لايراه الإنسان, وعالمهم عالم الصفاء والطهر والنقاء, وهم من أهل السماء الذين ينزل الله - تعالي - منهم إلي الأرض من يكلفون بمهام يأمرهم بها الله. ومن جند السماء الريح وما تحدثه من عواصف وأعاصير, والرعد, والبرق, والظلمات وما يصاحبها من مخاطر, والصيحة, وغضب الله - تعالي - ولعناته التي ينزلها علي الظالمين من عباده وما يدخل تحت مظلة دائرة السوء من امور. ومما نعلم من جند الله في الأرض: الزلازل, والبراكين, والعواصف والأعاصير, والقحط والجدب والجفاف, والسيول المغرقة والفيضانات الجارفة, ومختلف أنواع الأمراض والأوبئة, أما ما لانعلم من جند الله فهو أكثر من ذلك بكثير لأن الغيوب من حولنا أكثر مما نعلم بعشرات المرات, ويكفي في ذلك أن يعترف علماء الفلك بأن ما يدركونه بكل تقنياتهم المتطورة في الكون المدرك هو أقل من[color=red](10%) أي أقل من عشر ماهو فعلا موجود فيه بالحسابات الرياضية والفيزيائية الفلكية, من هنا تتضح ومضة الإعجاز العلمي في قول ربنا - تبارك وتعالي -:] ... وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [ ( المدثر:31). فجنود الله - تعالي - في السماوات والأرض من الأمور الغائبة عنا - نحن معشر البشر -: حقيقة كل منها, ووظيفته, والقدرات التي وهب الله - سبحانه وتعالي - إياها والله يكشف لنا ما يريد الكشف عنه من أمر جنده الذين لانعرف لهم كنها ولاحصرا ولا عدا, وقوله - تعالي - في مثل هذه الأمور الغيبية هو القول الفصل, وليس لأحد من خلقه أن يجادل فيه, أو أن يحاول معرفة ما حجبه الله - تعالي - عنه, فليس له إلي ذلك من سبيل..! فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام - صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه أجمعين وعلي من تبع هداه, ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ قلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:53 pm من أسرار القرآن: 383 ب- (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ُ.... * )( الإسراء : 1 ) من الدروس المستفادة من رحلة الإسراء والمعراج ما يلي : أولا: الإيمان بطلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود والتي أسرت برسول الله- صلى الله عليه وسلم- من مكة المكرمة إلى بيت المقدس, ثم عرجت به إلى سدرة المنتهى عبر السموات السبع, ثم أعادته إلى بيت المقدس ليصلي إماما بجميع أنبياء الله تأكيدا لمقامه -صلى الله عليه وسلم- ثم رجعت به إلى بيته في مكة المكرمة ليجد فراشه لا يزال دافئا. فقد أوقف الله- تعالى- له الزمن , وطوى المكان , ولا يقدر على ذلك إلا رب العالمين. وهنا يجدر التأكيد على أن كلا من الزمان والمكان هو من خلق الله, وأن الله- تعالى- قادر على إيقاف الزمن, وعلى طي المكان لمن يشاء من عباده. ولكي ندرك ضخامة هذه المسافات أذكر: أن أبعد نجم أدركه الفلكيون في السماء الدنيا يبعد عنا مسافة تقدر بحوالي 36 بليون سنة ضوئية, والسنة الضوئية تقدر بنحو (9,5 مليون مليون كم). بمعنى أنه لو فرضنا جدلا أن الإنسان تمكن من صنع مركبة فضائية تتحرك بسرعة الضوء (وهذا مستحيل) فإنه سوف يحتاج إلى 36 بليون سنة ليصل إلى آخر ما نرى من نجوم السماء الدنيا. فما بالنا بست سموات فوق ذلك إلى سدرة المنتهى, حيث شرف المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بالمثول بين يدي ربه, وتلقى منه الأمر بخمس صلوات في اليوم والليلة. ثانيا: الإيمان بأن الله –تعالى- الذي خلق كلا من المادة والطاقة, والمكان والزمان, هو فوق ذلك كله, ومنزه عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, فلا تحده حدود أي من المكان أو الزمان, ولا حدود أي من المادة أو الطاقة, وهو- تعالى- قادر على إفناء خلقه وعلى إعادة بعثه. ثالثا: التأكيد على مقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند رب العالمين , فهو أحب خلق الله إلى الله- تعالى-, ولذلك أوصله إلى مقام من السماء لم يصل إليه غيره من البشر, ووضعه على رأس سلسلة الأنبياء والمرسلين, وهو خاتمهم أجمعين, ولذلك صلى بهم إماما في القدس الشريف تأكيدا على مقامه عند رب العالمين, وعلى نسخ شريعته الخاتمة لجميع شرائعهم. وفي ذلك إشارة إلى من يدعون إتباع نبي من الأنبياء السابقين إلى ضرورة الإيمان بهذا النبي الخاتم, وبالقرآن الكريم الذي أوحى إليه واتباع الدين الذي جاء به, كما تبعه جميع أنبياء الله ورسله في الصلاة بالمسجد الأقصى, إعلانا بعموم رسالته التي اكتمل بها الدين, وتمت بها النعمة التي أصبحت واجبة على الخلق أجمعين. رابعا: الإشارة إلى ضرورة الإيمان بوحدة رسالة السماء, وبالأخوة بين الأنبياء, وبين الناس جميعا, وهي قيم إسلامية أكدتها إمامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لجميع أنبياء الله ورسله في الصلاة بهم بالمسجد الأقصى وعالم اليوم المضطرب بالعديد من الفتن والمظالم, والغارق في بحار من الدماء والأشلاء, والذي يعاني من الإفساد والخراب والدمار في كل مجال, ما أحوجه إلى استعادة هذه القيم الربانية السامية من جديد!! خامسا: التأكيد على حرمة كل من مكة المكرمة وبيت المقدس. فعن أبي ذر- رضي الله عنه- أنه قال: سألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال "المسجد الحرام" قلت ثم أي, قال: "المسجد الأقصى" قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة " ( رواه كل من البخاري ومسلم وأحمد). وكل من الكعبة المشرفة والمسجد الأقصى قد تم بناؤه قبل خلق الإنسان ببلايين السنين ومن هنا كانا مكانين لمن يعبد الله- تعالى- وحده (بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد). ولا يمكن نسبة أي منهما إلى دين غير دين الإسلام وهو الدين الوحيد الذي يؤمن أتباعه بجميع أنبياء الله ورسله دون أدنى تفريق, ولذلك لا يرتضي ربنا- تبارك وتعالى- من عباده دينا سواه. فقد أنزل الله أبوينا آدم وحواء في مكة المكرمة ثم جاء من نسلهما عدد من الأنبياء الذين أسكنهم الله- تعالى- في أرض فلسطين, وأمر إبراهيم- عليه السلام- أن يضع زوجه هاجر ورضيعها إسماعيل في مكان البيت حتى يأتي من نسله خاتم الأنبياء والمرسلين- صلى الله عليه وسلم- ليلتقي أول النبوة بخاتمها, ثم يسري بخاتم أنبيائه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى تأكيدا على حرمة هذين المكانين. سادسا: التأكيد على فضل الصلاة التي فرضت من الله- تعالى- مباشرة إلى خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- وهي على ذلك تعتبر معراج المسلم إذا أدى حقها بالخشوع والاطمئنان المطلوبين, حتى يستشعر لذة مناجاة الله في الصلاة, كما أصبح السعي إليها في صلاة العشاء والفجر يمثل مسرى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-, ومن هنا كانت آخر ما أوصى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته. سابعا: الإيمان بوقوع معجزة "الإسراء والمعراج" بالجسد والروح معا, وفي حالة من اليقظة الكاملة والتأكيد على صدق جميع المرائي التي رآها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طيلة هذه المعجزة؛ وكان منها بعث للأنبياء والمرسلين السابقين ولقائهم به, وحديثهم معه, والله على كل شئ قدير. وكان من هذه المرائي: المكرمون من أهل الجنة في الجنة والمجاهدون (يزرعون في يوم ويحصدون في يوم), وبلال مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وماشطة بنت فرعون وأولادها (يعبقون بريح المسك). وكان منها النار وخزنتها والمعذبون فيها, ومنهم: الدجال والمتثاقلون عن الصلاة (ترضخ رءوسهم بالحجارة), ومانعوا الزكاة (يأكلون الزقوم وعلى أدبارهم وإقبالهم رقاع تفضحهم), والزناة: (يتركون اللحم النضج الطيب, ويأكلون اللحم النيئ, النتن, والنساء الزانيات معلقات بصدورهن), وقاطعو الطريق, ومضيعو الأمانة, وخطباء الفتنة ( تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقارض من حديد , وكلما قرضت عادت), وأصحاب الكلام الفاحش (على هيئة الثور الذي يخرج من جحر فلا يستطيع العودة فيه), وأكلة أموال اليتامى (يلقمون الجمر في أفواههم فيخرج من دبرهم), والمغتابون (لهم أظفار من نحاس يخدشون بها صدورهم ووجوههم ويقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه), والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا, وعاقر ناقة صالح, والكذابون: (بيد كل واحد منهم كلوب من حديد يدخله في شدقه حتى يبلغ قفاه, ثم يخرجه, ويفعل بشدقه الآخر مثل ذلك, وكلما التأم شدقه عاد فيكرر فعله ), ومنهم أكلة الربا (والحيات في بطونهم). وقد يسأل سائل كيف كان ذلك والساعة لم تقم بعد؟ والموتى لم يبعثوا بعد ؟ وهنا يأتي التأكيد بأن الحاضر والماضي والمستقبل كله عند الله حاضر, والله- تعالى- قادر على أن يطلع من يصطفي من عباده عليه, وأن كلا من حدود الزمان والمكان من خلق الله, يحد بهما المخلوقين, والله- سبحانه وتعالى- قادر على طيهما أو إلغائهما تماما , والتسليم بضخامة الكون وبتعاظم أبعاده. ثامنا: الإيمان بالغيوب المطلقة التي أخبر عنها القرآن الكريم, ومنها الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه ورسله, وبحتمية الآخرة, وما فيها من الحساب والجزاء, والجنة والنار, والميزان والصراط. تاسعا: التأكيد على أن الابتلاءات هي من سنن أصحاب الدعوات في كل زمان ومكان, وأنها من وسائل التطهير والتزكية للنفس الإنسانية, وعلى ذلك فإنه يجب على المسلم ضرورة الالتجاء إلى الله- تعالى- في كل شدة, واليقين بأنه إذا انقطعت حبال الناس فإن حبل الله المتين لا ينقطع أبدا ما دام العبد متوكلا على الله حق التوكل, وأنه ليس بعدالعسر إلا اليسر. ونحن نرى ذلك في التكريم العظيم الذي لقيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في رحلة الإسراء والمعراج, والتي أكرمه الله- نعالى- بها بعد عام الحزن الذي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد فقد فيه كلا من زوجه أم المؤمنين السيدة خديجة- عليها رضوان الله- وعمه أبو طالب, فاشتدت وطأة كفار ومشركي قريش عليه حتى أخرجوه من مكة, فلجأ إلى أهل الطائف طالبا التأييد منهم حتى يبلغ دعوة الله, فردوه ردا غير جميل أغروا به جهالهم الذين أدموا قدميه الشريفين, فوقف في الطريق بين الطائف ومكة يناجي ربه بمناجاة تهز القلب والعقل معا. ثم دخل مكة بجوار (أي في حماية) أحد كبار مشركيها. وبعد كل هذه المعاناة جاءت معجزة الإسراء والمعراج تكريما وتشريفا خاصين له- صلى الله عليه وسلم- من دون الخلائق, ليطلعه ربه- تبارك وتعالى- على عوالم من الغيب لم يرها غيره من البشر, بما في ذلك الأنبياء والمرسلون الدين بعثهم الله- تعالى- جميعا لمبايعته على إمامته لهم. عاشرا : التحذير من مخاطر المفاسد السلوكية على الإنسان, أفرادا ومجتمعات, وعلى شدة العقوبة عليها في الدنيا قبل الآخرة تحريما لها, ومنعا للوقوع فيها. فقد شاهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من المرائي في رحلة المعراج ما يفزع كل عاقل من الوقوع في أي منها, فقد رأى عقوبات عدد من الجرائم مثل الزنا, ومنع الزكاة, والوقوع في الغيبة والنميمة, وأكل أموال اليتامى ظلما, وأكل الربا, وأكل أموال الناس بالباطل, كما رأى عقاب خطباء الفتنة, وجزاء تضييع الأمانة, وغير ذلك من الجرائم التي قد يقع فيها كثير من الناس. ولو أدركوا هول العقاب على كل جريمة من هذه الجرائم ما وقعوا فيها أبدا. كذلك رأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أثناء عروجه في السموات العلى بعض ثواب المجاهدين في سبيل الله الذين تضاعف لهم حسناتهم إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة... والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم. حادي عشر: التسليم بأن المعجزات هي خوارق للسنن , وبالتالي فإن العقل البشري لا يستطيع تفسيرها , وعلى كل من المسلم والمسلمة الإيمان بما جاء عن تلك المعجزات في كل من كتاب الله وسنة رسوله دون محاولة تفسيرها بإمكانات العقل البشري المحدودة . / \ قلم : د زغلول راغب النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:54 pm من أسرار القرآن: (348)- (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ*) (القلم:17) هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر الثلث الثاني من سورة القلم وهي سورة مكية وآياتها اثنتان وخمسون () بعد البسملة وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بقسم القلم وبما يسطرون وذلك تعظيما للعلم وتكريما لأدواته. ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من ركائز العقيدة الإسلامية وفي مقدمتها الإيمان بالله ـ سبحانه وتعالي ـ ربا واحدا أحدا فردا صمدا بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولدا والتصديق بجميع أنبيائه ورسله وعلي رأسهم خاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله سيد الأولين والآخرين من بني آدم, واليقين بحتمية الآخرة, ومافيها من أهوال البعث, والحشر, والعرض, والحساب والجزاء بالخلود إما في الجنة أبدا, أو في النار أبدا. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة القلم وماجاء فيها من ركائز العقيدة, ونركز هنا علي وجه من أوجه الإعجاز في ذكر قصة أصحاب الجنة للاعتبار بما جاء فيها من دروس وعبر. من أوجه الإعجاز الإنبائي والتاريخي في ذكر أصحاب الجنة جاءت هذه القصة في الرد علي أبي جهل ( عمرو بن هشام) الذي رفض الإسلام عصبية وتكبرا وتجبرا, وانطلاقا من كونه هو زعيم بني مخزوم من قريش وكون المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ من بني عبد مناف, وذلك كما ورد من قصته مع كل من الأخنس بن شريق, وأبي سفيان بن حرب, حين خرج ثلاثتهم منفردين يستمعون القرآن خفية من تلاوة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ علي مدار ثلاث ليال, وهم في كل ليلة يتواعدون علي عدم العودة خشية أن يراهم الناس فيقع في نفوسهم شيء من الميل إلي قبول الإسلام دينا. فلما سأل الأخنس بن شريق أبا جهل رأيه فيما سمع من القرآن الكريم كان جوابه: ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا, وحملوا فحملنا, وأعطوا فأعطينا, حتي إذا تجاثينا علي الركب, وكنا كفرسي رهان, قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء. فمتي ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه!. وكان من دوافع رفض مشركي قريش دين الإسلام أن التوحيد الذي جاء به هذا الدين السماوي يهدم كل صور الشرك التي كانوا هم وأهل الأرض ـ في غالبيتهم الساحقة ـ قد وقعوا فيها إلي آذانهم حتي ضلوا وأضلوا, وملأوا الأرض انحرافا وفسادا. وكان من دوافع مقاومة كفار ومشركي قريش لدعوة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عدد من الاعتبارات الاجتماعية التي كان في مقدمتها الخوف من انتزاع الزعامة من بين مشايخهم في بيئة قبلية تجعل للزعامة الاجتماعية كل الاعتبار, وذلك لأن رسول الله ـ مع علو قدره, وشرف نسبه في قريش ـ من قبل أن يأتيه الوحي ـ لم تكن له زعامة اجتماعية فيهم, بينما كانت الزعامات الاجتماعية موزعة بين مشايخ كل من مكة والطائف, وكانوا يخشون من انتزاع تلك الزعامات من أيديهم بانتشار الاسلام, ولذلك قال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ علي لسانهم ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا القُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) ( الزخرف:31) خاصة وأن القرآن كان يتنزل بالدعوة إلي التوحيد الخالص لله ـ تعالي ـ وبتسفيه كل صور الشرك من عبادة الأصنام والأوثان والقمر والنجوم والكواكب والملائكة والجن, وبتسفيه كل الطقوس المبتدعة المرافقة لذلك, ومن هنا بدأ الكفار والمشركون في مقاومة الدعوة الإسلامية, وفي التطاول علي شخص النبي الكريم, وفي تعريض القلة التي آمنت معه إلي أشد ألوان التعذيب, وأغراهم بذلك كثرة أموالهم وأولادهم, ونسوا أن ذلك كله من نعم الله عليهم, وماأشنع أن تقابل نعم الله ـ تعالي ـ بالكفر به وبالتطاول علي رسوله وعلي أوليائه. وللرد علي ذلك يضرب القرآن الكريم لهم مثلا بقصة أصحاب الجنة وهي قصة تذكر بعواقب البطر بالنعمة, وبأخطار مقابلتها بالاستعلاء والكبر بدلا من الحمد والشكر, وتؤكد أن ماوهبهم الله ـ تعالي ـ من أموال وبنين هو من ضروب الابتلاء لهم,, كما ابتلي أصحاب هذه القصة التي تكشف أحداثها عما وراءها من تدبير الله وحكمته, وإحاطة علمه وطلاقة قدرته. وتبدأ القصة بشيخ صالح كانت له جنة في الأرض, عبارة عن بستان ذي شجر يستر الأرض لكثرته, وقد تسمي الأشجار الساترة نفسها جنة أرضية وكان هذا الشيخ الصالح يخرج زكاة ثمار جنته بانتظام حتي وافاه الأجل المحتوم, وجاء أولاده من بعده فأغراهم الشيطان بالامتناع عن إخراج زكاة زروعهم, وأغواهم بذلك, وزينه في قلوبهم, فبيتوا الاستئثار بثمار تلك الحديقة عند تمام نضجها. وعندما قرب موعد جني الثمار اجتمعوا بليل وقرروا الخروج إلي حديقتهم في الصباح الباكر ليقطفوا ثمارها ولا يتركوا منها شيئا لمستحقي الزكاة علي عكس ماكان يفعل أبوهم من قبل وتعاهدوا علي تنفيذ ذلك وأقسموا عليه, وباتوا ليلتهم وقد عقدوا النية علي تنفيذ مخططهم الشيطاني ولكن القرار الإلهي بتدمير جميع ثمار ذلك البستان كان قد سبقهم إليه, فنزل ببستانهم بلاء محيط فأصبح كالذي قد صرمت ( أي: قطعت) ثماره فلم يبق منها شيء, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ* وَلاَ يَسْتَثْنُونَ* فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ *) ( القلم:17 ـ20). وفي الصباح الباكر نادي بعضهم علي بعض من أجل الاستعداد لتنفيذ المخطط الذي أجمعوا كلمتهم عليه, ثم تحركوا في تستر وصمت كاملين حتي لا يدركهم أحد من الفقراء والمساكين فيتبعهم إلي البستان أملا في الحصول علي شيء مما يجمعون كما كانوا ينالون ذلك علي زمان أبيهم من قبل, وفي ذلك تقول الآيات: (فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ *) ( القلم:21 ـ25). و (الحرد) هو القصد أو التنحي, ومعني ذلك أنهم في الصباح الباكر ساروا إلي بستانهم سرا, متنحين عن قومهم, عازمين علي تنفيذ المخطط الذي رسموه, وعلي تنفيذ ماأجمعوا أمرهم عليه قاصدين ذلك ومصممين عليه, وهم واثقون من قدرتهم علي تنفيذه, وهو جمع ثمار البستان منفردين لا يراهم أحد من الناس, حتي لا يعطوا المساكين من قومهم شيئا منها ولكنهم عندما وصلوا إلي بستانهم لم يعرفوه لأنهم وجدوا ثماره قد قطعت بالكامل حتي لم يبق منها ثمرة واحدة علي فرع من فروعه أو علي الأرض من حول أشجاره, فظنوا أنهم قد ضلوا الطريق إلي بستانهم الذي لم يعرفوه لتجريده من ثماره تجريدا كاملا, ثم بالنظر فيما حولهم من معالم أدركوا أنه بستانهم, وتنبهوا إلي أنهم قد حرموا ثماره جزاء تآمرهم الشيطاني من أجل حرمان المساكين من حولهم من الحق الذي شرعه الله ـ سبحانه وتعالي ـ لهم, فقال أرجحهم عقلا, وأعدلهم رأيا من بينهم: هلا ذكرتم الله وتبتم إليه, وتضرعتم له أن يغفر لكم خطاياكم بما بيتم من نوايا سيئة وقررتم حرمان مساكين قومكم من حقهم في ثمار بستانكم الذي شرعه الله ـ سبحانه وتعالي ـ لهم فنالنا من العقاب الإلهي مانالنا! وكان قد نصحهم من قبل ألا يفعلوا ذلك فعصوه فأخذ بعضهم يلوم البعض الآخر علي ماكانوا قد خططوا له, وأقسموا عليه بقصد حرمان المساكين حقهم الذي فرضه الله ـ تعالي ـ حتي فاقوا من غفلتهم فتابوا إلي بارئهم, واستغفروه, وأنابوا إليه, وفي ذلك تقول الآيات: ( فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ* كَذَلِكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *)( القلم:26 ـ33). فتاب هؤلاء الأبناء أصحاب الجنة إلي الله تعالي بعد أن رأوا عذاب مانع زكاة الزروع بأعينهم, وتعلق الآيات بأن العذاب الذي نزل بهم بإهلاك ثمار بستانهم وهم في قمة الثقة بقدرتهم علي قطعها وجمعها, فإن إهلاك كفار ومشركي قريش ليس بالأمر المستغرب خاصة وأنهم كانوا قد فجروا في كفرهم وشركهم, وبالغوا في معارضة الإسلام, وفي إيذاء خاتم أنبياء الله ورسله, وفي تعذيب القلة التي آمنت به في بدء دعوته. وماأحوج المسلمين اليوم إلي تأمل هاتين القصتين: قصة أصحاب الجنة الذين قد قرروا عدم إخراج زكاة زروعهم فعاقبهم الله ـ تعالي ـ بحرمانهم من ثمارها, ثم تابوا إليه, واستغفروه, وعادوا عن غيهم, وقصة كفار ومشركي قريش وقد أغرتهم وفرة أموالهم وكثرة أولادهم علي رفض الحق الذي جاء به نبيهم الصادق المصدوق, والأمين المؤتمن عندهم, فتهددهم ربهم بسوق قصة أصحاب الجنة اليهم, تهددهم بأن مايملكون من مال وعيال قابل للزوال في لمح البصر, أو في أقل من ذلك, وفي الوقت ذاته يطمئن المسلمين بأن كل مايرونه علي الكفار والمشركين من آثار النعم في المال والعيال إنما هو ابتلاء من الله ـ تعالي ـ له عواقبه في الدنيا إذا لم يؤدوا حقه ولم يتوبوا إلي بارئهم وينيبوا إليه ويتطهروا من دنس الكفر والشرك ولذلك يتهددهم القرآن الكريم بقول الحق ـ تبارك وتعالي ـ إليهم: (كَذَلِكَ العَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) ( القلم33). ومن الدروس المستفادة من قصة أصحاب الجنة مايلي: 1 ـ ضرورة محاربة الإنسان في ذاته لأمراض شح النفس, والبخل, لأن في المال حق معلوم للسائل والمحروم, وأن الذي لايخرج هذا الحق الشرعي معرض للعقاب الإلهي. 2 ـ إن عدم إخراج الحق الشرعي من الزكاة مثل زكاة المال والزروع هو صورة من صور غمط الحق وبطر النعمة الذي لايرتضيه الله ـ تعالي ـ من عباده, وكما يكون ذلك الانحراف عن الحق مرضا في الأفراد يكون في المجتمعات التي إن ضلت عن منهج الله ـ تعالي ـ وانحرفت عنه فإن الله ـ تعالي ـ يبتليها بالحرمان من نعمة حتي تفيق من غيها, وتصحح من أخطائها, وتعود إلي كنف الله. 3 ـ إن من وظائف ابتلاءات الناس في الدنيا هو إيقاظهم من غفلتهم واحياء ضمائرهم من أجل تصحيح مسار حياتهم. 4 ـ إن الابتلاء كما يكون بالشر يكون بالخير, فليست إفاضة المال والجاه والسلطان هي دوما من علامات رضي الله, وليس الفقر والمرض وغيرهما من الابتلاءات هي دوما من علامات سخط الله. 5 ـ إنه علي كل إنسان أن يكتشف أخطاءه في هذه الحياة الدنيا, وأن يقوم بتصحيحها فور اكتشافها وباب التوبة مفتوح لكل تائب إلي أن يغرغر, ومن هنا كان واجب العقلاء من عباد الله أن يداوموا علي الاستغفار والتوبة والإنابة إلي الله. 6 ـ إن تكافل المجتمع الإسلامي هو فريضة من الله يجب علي كل مسلم يقوم بها وأن يساعد علي إحيائها بكل مايستطيع من جهد ومال, لأن الدنيا هي مزرعة الآخرة. 7 ـ إن مايخفي علي العباد لا يخفي علي رب العالمين الذي يكافيء المحسن علي إحسانه, ويجازي المسيء بإساءته, وأن الله سريع الحساب. 8 ـ إن الحرمان الحقيقي في الدنيا هو في البعد عن أوامر الله, لأن الدنيا هي مزرعة الآخرة, ولايمكن للزارع فيها أن يفلح بغير الهداية الربانية. 9 ـ إن الرزق من الله ـ سبحانه وتعالي ـ وكل ماهو من الله لا يمكن أن يطلب بمعصية, بل لابد أن يطلب بتقديم الطاعات له. من هنا كان في استعراض قصة أصحاب الجنة وجه من أوجه الاعجاز التاريخي في كتاب الله لأنه لم يرد لها ذكر في أي من كتب الأولين, ولو أنها جاءت علي عادة القرآن الكريم من أجل الاستفادة بما جاء فيها من دروس وعبر دون الدخول في تفاصيل الأسماء, والأنساب, والأماكن والأزمنة, والله يقول الحق, وهو يهدي إلي سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين. / \ قلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:55 pm ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ﴾ [الأنفال:30] هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أواخر النصف الأول من سورة الأنفال, وهي سورة مدنية, وآياتها خمس وسبعون (75) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم (الأنفال) أي المغانم جمع (نفل) بالفتح وهو الزيادة أو الأمر الثانوي, إشارة إلى الغنائم التي غنمها المسلمون أثناء معركة بدر الكبرى. وقد سميت الغنائم بالأنفال احتقارا لشأنها أمام رد الظالم الصائل, الجائر, وأمام واجب حماية الدين, والعرض, والنفس, والمال, وهي من ضرورات الحياة, ومن الأهداف الرئيسية للجهاد الإسلامي, أما الغنائم المتحققة من الجهاد في سبيل الله فهي زيادة على ذلك, ونافلة منه. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة الأنفال وما جاء فيها من التشريعات الإسلامية وركائز العقيدة, ونركز هنا على ومضة الإعجاز الإنبائي في الآية الثلاثين من هذه السورة المباركة, وهي الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال. من الإعجاز الإنبائي في الآية الكريمة: في التعليق على هذه الآية الكريمة أخرج الإمام أحمد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قوله: تشاورت قريش ليلة بمكة. فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق ـ يريدون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال بعضهم: بل اقتلوه. وقل بعضهم: بل أخرجوه. فأطلع الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك, فبات علي ـ رضي الله عنه ـ على فراش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى لحق بالغار. وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما أصبحوا ثاروا إليه; فلما رأوه عليا رد الله ـ تعالى ـ عليهم مكرهم, فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري! فاقتصوا أثره; فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم, حتى صعدوا الجبل, فمروا بالغار, ورأوا على بابه نسج العنكبوت, فقالوا: لو دخل هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه.. فمكث فيه ثلاث ليال. ويذكر الإمام البخاري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعلم أن قومه سوف يخرجونه من مكة حين لقي ورقة بن نوفل في صبيحة تلقيه الوحي لأول مرة فقال له ورقة فيما قال: يا ليتني فيها جذعا, ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أو مخرجي هم؟! قال ورقة: نعم; لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا أوذي, وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا. ولذلك فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن خذله أهل الطائف وبالغ كفار ومشركو مكة في اضطهاده واضطهاد أصحابه, عاد إلى مكة في أمان أحد المشركين وبدأ يعرض نفسه على القبائل في مواسم التجارة والحج يشرح لهم دين الله (الإسلام) ويدعوهم إلى التوحيد الخالص لله, وإلى الالتزام بمكارم الأخلاق, ويطلب إليهم الإيواء والنصرة حتى يبلغ الناس بهداية رب العالمين لهم قائلا: من رجل يحملني إلى قومه فيمنعني, حتى أبلغ رسالة ربي فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ رسالة ربي. وحينما سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إلام تدعونا؟ قال: أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأني عبد الله ورسوله, وإلى أن تؤووني وتنصروني, فإن قريشا قد تظاهرت على الله, وكذبت رسوله, واستغنت بالباطل عن الحق, والله هو الغني الحميد, ثم تلا على السائل قول الحق ـ تبارك وتعالى ـ:﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِّنْ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام:151]. ويقول جابر بن عبد الله الأنصاري عن ذلك ما نصه: مكث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة عشر سنين, يتبع الناس في منازلهم, بعكاظ ومجنة, وفي المواسم بمني, يقول: من يؤويني؟ من ينصرني, حتى أبلغ رسالة ربي, وله الجنة؟ والمقاومة ضده شديدة, حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو مصر, ـ كذا قال ـ فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك, وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع, حتى بعثنا الله إليه من يثرب, فآويناه وصدقناه, فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن, فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه, حتى لم يبق دار من الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام (مسند الإمام أحمد). وقد أثمرت الاتصالات الأولى بأهل يثرب بإسلام رجلين في أول الأمر, وتلا ذلك إسلام ستة من الرجال من الخزرج, ثم كانت بيعة العقبة الأولى مع اثني عشر رجلا (عشرة من الخزرج, واثنان من الأوس) وبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المبايعين سفيره إلى أهل يثرب مصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ الذي دعا أهل هذه المدينة إلى الإسلام, وكان يعلمهم الدين, ويقرئهم ما حفظ من كتاب الله, وكان يؤم مسلميهم في الصلاة. وكان من نبل خلقه وحسن إسلامه أن تمكن من نشر الإسلام بين أهل يثرب خاصة بين زعماء قبائلها وكبار شخصياتها الذين أسلم بإسلامهم كثير من أهل هذه المدينة. ثم كانت بيعة العقبة الثانية التي أسلم فيها ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان من أهل يثرب, ويصف جابر بن عبد الله الأنصاري تلك البيعة بكلام طويل نختار منه قوله: (... فقلنا: حتى متى نترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطرد في جبال مكة ويخاف, فرحل إليه منا سبعون رجلا, حتى قدموا عليه في الموسم, فواعدناه شعب العقبة, فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين, حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله علام نبايعك؟ قال: تبايعون على السمع والطاعة في النشاط والكسل, والنفقة في العسر واليسر, وعلى الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وأن تقولوا في الله, لا تخافون في الله لومة لائم, وعلى أن تنصروني فتمنعوني, إذا قدمت عليكم, مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم, ولكم الجنة. قال جابر: فقمنا إليه فبايعناه...). وفي رواية لكعب بن مالك الأنصاري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: أخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا: (تسعة من الخزرج, وثلاثة من الأوس). وعندما علم كفار ومشركو قريش بأخبار تلك البيعة ثارت ثائرتهم على المسلمين في مكة, وازداد إيذاء المشركين لهم, فأذن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمسلمين بالهجرة إلى يثرب, فأخذوا في ذلك حتى لم يبق في المدينة إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر وعلى ـ رضي الله عنهما ـ أو قليل من المرضى والضعفاء أو الذين فتنتهم قريش بالاختطاف, أو بالسجن, أو بالتفريق بين المرء وزوجة وولده, أو نهب الأموال والثروات. وتروي لنا أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها وأرضاها ـ عن هجرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلة: (كان لا يخطئ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار, إما بكرة, وإما عشية, حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الهجرة, والخروج من مكة بين ظهري قومه, أتانا رسول الله بالهاجرة (أي عند الزوال) في ساعة كان لا يأتي فيها. قالت: فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الساعة إلا لأمر حدث, قالت: فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره, فجلس رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس عند أبي بكر إلا أنا, وأختي أسماء بنت أبي بكر, فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أخرج عني من عندك, فقال: يا رسول الله, إنما هما ابنتاي, وما ذاك؟ فداك أبي وأمي! فقال: إنه قد أذن لي في الخروج والهجرة. قالت فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: الصحبة, قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح, حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ, ثم قال: يا نبي الله! إن هاتين راحلتان, قد كنت أعددتهما لهذا, فاستأجرا عبد الله بن أريقط رجلا من بني الديل بن بكر, وكانت أمة امرأة من بني سهم بن عمرو, وكان مشركا ـ استأجراه كي يدلهما على الطريق ـ فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما. وأضافت أم المؤمنين قائلة: (فجهزناهما أحسن الجهاز, وصنعنا لهما سفرة في جراب, فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها, فربطت به على فم الجراب, فبذلك سميت ذات النطاقين, ثم لحق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر, بغار في جبل ثور فمكثا فيه ثلاث ليال, يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر, وهو غلام, شاب, ثقف, لقن, فيدلج من عندهما بسحر, فيصبح مع قريش بمكة كبائت, فلا يسمع أمرا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام, ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء, فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما ـ حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس (أي في ظلمة آخر الليل). فعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث, واستأجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر رجلا من بني الديل.. هاديا وخريتا (ماهرا بالهداية في الطرق)... فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما, وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث, وانطلق معهما عامر بن فهيرة, والدليل فأخذ بهم طريق السواحل) (البخاري). وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر علي بن أبي طالب أن يخلفه في فراشه تمويها للذين كانوا يحاصرون داره من مشركي قريش; حتى يخرج سالما من بينهم وحتى يؤدي علي ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الودائع التي كانت عنده للناس. وعند خروجه من مكة وقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحزورة في سوق مكة وقال: والله إنك لخير أرض الله, وأحب أرض الله إلى الله, ولولا أني أخرجت منك ما خرجت( الترمذي). وعلى الرغم من أن سورة الأنفال مدنية, والآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال نزلت بالمدينة المنورة بعد الهجرة النبوية الشريفة بعامين, فإنها تذكر بما كان في مكة من ظلم لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولصحابته الكرام من قبل كفار ومشركي قريش, كما تذكر بفضل الله ـ تعالى ـ الذي نصر المسلمين نصرا مؤزرا في معركة بدر الكبرى على هؤلاء الكفار والمشركين. والآية توحي بوجه من أوجه الإعجاز الإنبائي حين أخبر الوحي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخطة زعماء الكفر من قريش ليوثقوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويحبسوه حتى يموت, أو ليقتلوه ويتخلصوا منه ومن دعوته, أو ليخرجوه من مكة منفيا مطرودا, ثم استقر رأيهم بعد مداولات طويلة في دار الندوة أن يقتلوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن يتولى إثم ذلك فتية أشداء يمثلون أغلب بطون مكة حتى يتفرق دمه في القبائل, وذلك مما يعجز بني هاشم عن قتالهم جميعا, فيرضوا بالدية, وينتهي الصراع بين دعوة الحق التي يحملها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعاوى الباطل العديدة التي يتحمس لها الكفار ومشركو قريش عن جهل فاضح. هذا ما تمنته قريش, ولكن الله ـ تعالى ـ كان لهم بالمرصاد فأخبر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمخططهم الشيطاني, وبموعد تنفيذه, فرتب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر هجرته الشريفة مع أبي بكر, وكتب الله ـ تعالى ـ لهما النجاة من مخطط الكفار والمشركين. وتبقي هذه الآية الكريمة شاهدة على هذه المعجزة الإنبائية من الله ـ تعالى ـ إلى خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والتي أكدتها روايات الثقاة من أهل بيت النبوة, وممن عايش هذه المعجزة من الصحابة الكرام, وحتى من بعض زعماء الكفر الذين اعترفوا بمخططهم الشيطاني بعد نجاة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصحبه الكريم تماما كما بينته هذه الآية القرآنية المجيدة. وهذا الإنباء مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه على خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه على ذاته العلية, في نفس لغة وحيه (اللغة العربية) على مدى يزيد على أربعة عشر قرنا, وتعهد ـ سبحانه وتعالى ـ بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقى القرآن الكريم حجة الله البالغة على خلقه أجمعين إلى أن يشاء الله رب العالمين. فالحمد لله على نعمة الإسلام, والحمد لله على نعمة القرآن, والحمد لله على بعثة خير الأنام ـ صلى الله وسلم, وبارك عليه وعلى آله وصحبه, ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ بقلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:55 pm ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ... ﴾ [ المائدة:27] هذا النص القرآني الكريم جاء في خواتم الربع الأول من سورة المائدة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائة وعشرون (120) بعد البسملة, وهي من طوال سور القرآن الكريم, ومن أواخرها نزولا, فقد نزلت بعد صلح الحديبية, أي في السنة السادسة من الهجرة النبوية الشريفة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي المائدة التي أنزلها الله ـ تعالي ـ من السماء كرامة لعبده ورسوله: المسيح عيسي بن مريم ـ عليهما من الله السلام ـ. ويدور المحور الرئيسي لسورة المائدة حول التشريع بعدد من الأحكام اللازمة لإقامة الدولة الإسلامية, وتنظيم مجتمعاتها علي أساس من الإيمان بالله ـ تعالي ـ ربا واحدا أحدا, فردا صمدا ( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد), وهذا التفرد للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ بالألوهية, والربوبية, والخالقية, والوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه, يجعل التشريع للعباد حقا من حقوق الله ـ تعالي ـ وحده, لا ينازعه فيه عبد من عباده. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة المائدة, وما جاء فيها من أسس كل من التشريع والعقيدة, وكل من الإشارات العلمية والإنبائية, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز الانبائي الغيبي في ذكر قصة ابني آدم ـ عليه السلام ـ كما جاءت في النص القرآني الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال. والواقعة لم يشهدها من البشر سوي آدم وزوجه وولديه وبنتيه, ولولا أن القرآن الكريم قد سجلها بهذا التفصيل الدقيق الذي يمكن استخلاص العبرة منه, ما علم بها أحد من البشر بعد, وما كان أمام العلماء والمؤرخين من وسيلة للوصول إلي معرفة شيء من تلك الواقعة التي طواها الزمن في أستاره. من أوجه الإعجاز الإنبائي في النص الكريم: يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [ المائدة:27 ـ31]. والخطاب هنا موجه إلي خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول له فيه رب العالمين: اقرأ يا محمد علي اليهود في المدينة حقيقة خبر ابني آدم ـ عليه السلام ـ حين تقرب كل منهما إلي الله ـ تعالي بقربة, فتقبل ربنا ـ تبارك وتعالي ـ قربة أحدهما لإخلاصه وتقواه, ولم يتقبل من الآخر لعدم توافر الإخلاص فيه, فحسد فاقد الإخلاص أخاه التقي المخلص, وتوعده بالقتل, فرد الأخ التقي الصالح بأن الله ـ تعالي ـ لا يتقبل العمل إلا من عباده الأتقياء المخلصين, قائلا: لئن أغواك الشيطان فمددت يدك نحوي لتقتلني, فأنا لن أمد إليك يدي لأقتلك, وذلك لأني أخاف الله رب العالمين, وسوف أتركك تفعل ما تريد لتحمل ذنب قتلي بغير إثم جنيت, فتكون من أهل النار, والنار هي جزاء الظالمين في الآخرة. وعلي الرغم من هذا الأدب في الحوار, والتحذير الشديد من النار فإن الأخ الظالم سولت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين. وبعد وقوع أول جريمة قتل لآدمي علي وجه الأرض أصابت القاتل مختلف ضروب الحسرة والحيرة لأنه فوجيء بأخيه جثة هامدة أمامه بلا حراك, ولم يدر ماذا يصنع بها بعد أن قتل صاحبها, وبدأت الجثة في التعفن أمامه, فأرسل الله ـ تعالي ـ غرابا ينبش أمام هذا الإنسان القاتل في تراب الأرض ليدفن غرابا ميتا, كي يعلم هذا القاتل الأول من بني آدم كيف يواري جثة أخيه في تراب الأرض سترا لها, فانفجر هذا القاتل باكيا, ومتحسرا علي جريمته, ومستشعرا سوء عمله وعجزه وحيرته قائلا: يا ويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي... فقام بدفن جثة أخيه وهو يبكي ندما علي جريمته. وكما كانت هذه هي أول جريمة قتل يقترفها الإنسان كانت عملية دفن جثة هذا القتيل هي أول عملية دفن في تاريخ البشرية, وهذا الدفن في تراب الأرض كان بأمر من الله ـ تعالي ـ عن طريق عمل الغراب إكراما للميت, ومنعا لانتشار الأمراض والأوبئة إذا بقيت جثث الموتى معرضة للهواء. وعقابا لقاتل أخيه بغير ذنب, وتجريما لعملية القتل ظلما, روي الإمام أحمد بسنده إلي ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: " لا تقتل نفس ظلما إلا كان علي ابن أدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل". وكطبيعة القرآن الكريم, أوردت الآيات (27 ـ31) من سورة المائدة: قصة ابني آدم دون الدخول في التفاصيل كالأسماء, والأماكن, والتواريخ, وذلك من أجل إبراز الدروس المستفادة, والعبر المستفادة من عرض القصة لنموذجين من نماذج البشرية النموذج التقي الصالح, والنموذج الشقي الطالح, وكلاهما في موقف من مواقف الطاعة لله ـ تعالي ـ يقدم كل واحد منهما قربانه إلي ربه.. فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر, والفعل ( تقبل) مبني للمجهول, ليشير إلي قوة غيبية, تقبلت أو لم تتقبل القربان بكيفية غيبية كذلك, حتى تسد علي التفكير البشري المحدود مجال الشطحات غير المرتبطة بنص صريح من كتاب الله ـ تعالي ـ أو من سنة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولكي تؤكد براءة الذي تقبل منه قربانه, حيث لم يكن له يد في قبوله, ومن هنا لم يكن لأخيه مبرر في الغضب منه والحنق عليه حتى يجيش في نفسه خاطر قتل أخيه, وفي ثورة هذا الغضب هدد أخاه بالقتل قائلا: لأقتلنك, فلم يكن عند صاحب التقوى والورع من جواب إلا أن يقول: إنما يتقبل الله من المتقين, وهذا هو الدرس الأول المستفاد من هذه القصة. ويضيف الأخ الصالح قائلا لأخيه: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لا قتلك إني أخاف الله رب العالمين, ويحذر أخاه من الوقوع في جريمة القتل, فيقول له: إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين, والإثم الأول: هو إثم القتل الذي كانت تراوده به نفسه الأمارة بالسوء, والإثم الثاني: هو إثم عدم الإخلاص لله الذي أدي إلي عدم قبول القربان منه, وإن كان الإثم الأول قد جاء لاحقا للإثم الثاني. وما قاله الأخ الصالح التقي للأخ الطالح الشقي كان من أجل إقناعه بخطورة جريمة القتل, في محاولة لصده عن الوقوع فيها دون جدوى, وقد سجل القرآن الكريم ذلك بقول الحق تبارك وتعالي: فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين, وهذا هو الدرس الثاني المستفاد من إيراد هذه الواقعة, لأنه قتل نفسا بغير حق, فأورد نفسه موارد المسئولية أمام الله, وكان المقتول هو أخاه شقيقه, المفروض فيه أنه عونه ونصيره في الحياة, فخسر الدنيا والآخرة, وذلك هو الخسران المبين. وقد شاء الله ـ تعالي ـ أن يوقف هذا الشقيق القاتل أمام عجزه عن كيفية التخلص من جثة أخيه الذي قتله بيده, وتركه مسجيا علي الأرض جثة هامدة تتعفن أمام ناظريه, وهو لا يدري ماذا يفعل بها, والموت له رهبة لا يستطع القلم وصفها, والإنسان مكرم حيا وميتا, وهذا ما أوقع الأخ القاتل لأخيه في حيرة شديدة. وبينما الأخ القاتل في حيرته وسط هذه الدوامة من المشاعر والأحاسيس المتضاربة, بعث الله ـ تعالي ـ غرابا يعلمه كيف يواري سوءة أخيه, وفي ذلك يقول القرآن الكريم: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [ المائدة:31] . وهنا قام هذا الشقيق القاتل بدفن جثمان أخيه كما علمه الغراب, فأصبح دفن أموات بني آدم سنة ألهمها الله ـ تعالي ـ لعباده, وهذا هو الدرس الثالث, المستفاد من إيراد قصة ولدي آدم في القرآن الكريم, وهي تؤكد تصارع الخير والشر في الحياة الدنيا, حتى بين الأشقاء وبين أبناء الأنبياء. وتبين الواقعة كذلك أن الباطل لا منطق له ولا حجة تدعمه, ولذلك فسلاح أهل الباطل هو دوما البطش والقتل والطغيان, دفاعا عن مواقفهم الهزيلة, كما يحدث اليوم علي أرض فلسطين, وفي كل من العراق وأفغانستان, وعلي أراضي كل من الصومال والسودان وكشمير وأراكان وإنجوشيا والشيشان وفي غيرها من بلاد المسلمين. وهذا هو الدرس الرابع المستفاد من إيراد تلك الواقعة, وإيرادها هو من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في كتاب الله لأن الواقعة لم يشهدها أي من الناس سوي أبوينا آدم وحواء وأبنائهما المباشرين, ولم يكن لأحد من أهل الجزيرة العربية في زمن الوحي إلمام بها علي الإطلاق. من هنا كانت إشارة القرآن الكريم إلي قصة ولدي آدم تمثل وجها من أوجه الإعجاز في كتاب الله نسميه الإعجاز الإنبائي الغيبي حيث إن القرآن الكريم يخبر عن واقعة غيبية وقعت من قبل عشرات الآلاف من السنين, ولم يشهدها من بني آدم إلا آدم ـ عليه السلام ـ نفسه وزوجه وعدد من أوائل أبنائهما, ولم يكن لأحد من كفار ومشركي قريش إلمام بهذه الواقعة. إذا علمنا أن العرب في زمن الجاهلية لم يكونوا أهل علم وتدوين, بل كانوا في غالبيتهم من الأميين, وكذلك كانت غالبية أهل الكتاب الذين كانوا موجودين في عدد من الجيوب المعزولة علي أطراف شبه الجزيرة العربية الشمالية والشمالية الشرقية, والجنوبية الغربية كالمناذرة الذين سكنوا شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق, وكانوا عربا واعتنقوا النصرانية وتحالفوا مع الفرس, ثم دخلوا الإسلام بعد الفتح الإسلامي, وكالغساسنة وهم سلالة عربية كذلك, يمنية الأصل هجرت بلادها عند انهيار سد مأرب في القرن الثالث الميلادي, واستوطنت بلاد حوران وشرقي الأردن وفلسطين ولبنان, واعتنق عدد من أبنائها الديانة النصرانية, ثم أسلم غالبيتهم بعد الفتح الإسلامي, وكيهود كل من خيبر ويثرب والذين أسلم بعضهم بعد وصول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلي المدينة, ويهود ونصاري كل من نجران واليمن.. إذا علمنا ذلك, أدركنا ومضة الإعجاز الإنبائي في إيراد القرآن الكريم لقصة ولدي آدم بالصورة التي اتسم بها هذا الكتاب العزيز في إيراد القصةـ لا بتفاصيلها التاريخية: المكانية والزمانية, ولا بكثرة أسماء وأعمار الأشخاص الواردة أسماؤهم فيها ـ ولكن بإيراد الدروس والعبر المستفادة منها, وهذا هو الفارق بين الوحي السماوي الذي حفظ بعهد من الله ـ تعالي ـ وبين قصص التراث الشعبي الذي نقل مشافهة عبر آلاف السنين فأضيف إليه ما أضيف وحذف منه ما حذف. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين ـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ بقلم / د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:55 pm ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ﴾ هذا النص القرآني الكريم جاء في بداية العشر الثاني من سورة البقرة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق, ويدور محورها الرئيسي حول قضية التشريع الإسلامي. وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة, وما جاء فيها من تشريعات, وعقائد, وأخبار, وقصص, وقواعد أخلاقية وسلوكية, وإشارات كونية, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز الإنبائي في النص الذي اخترناه عنوانا لهذا المقال. من أوجه الإعجاز الإنبائي في النص الكريم: يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( البقرة:35) وأكد ربنا ـ تبارك اسمه ـ علي نفس المعني في مقام آخر من القرآن الكريم قال ـ عز من قائل: ﴿ وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( الأعراف:19) وقد اختلف المفسرون في تحديد الجنة التي أدخل إليها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ هل هي جنة المأوي المعروفة باسم جنة الخلد وهي دار جزاء وخلود, لا يخرج داخلها منها أبدا, أم هي جنة في الأرض أعدها الله ـ سبحانه وتعالي ـ لهما, وجعلها دار ابتلاء واختبار, والواضح من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أنها كانت جنة علي الأرض أي: منطقة مرتفعة علي هيئة ربوة تعلو ما حولها, زاخرة بالأشجار المثمرة, ذات الظلال الوارفة, والنضرة والبهجة الدائمة, ولذلك وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ موجها الخطاب إلي أبينا آدم ـ عليه السلام ـ قائلا له: ﴿ إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى . وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى ﴾ (طه:119,118) هذا بالإضافة إلي أن الجنة التي أسكنها آدم وحواء تم تكليفهما فيها ألا يأكلا من شجرة معينة, وابتليا فيها بذلك, والأرض هي دار الابتلاء, وجنة الخلد هي دار الجزاء التي وعد الله ـ تعالي ـ المتقين بدخولها في الآخرة, وهي ليست دار ابتلاء. كذلك فإن إبليس دخل علي أبوينا آدم وحواء جنتهما الأرضية, وهو محروم من الدخول إلي جنة المأوي, وأن مجرد إخراج أبوينا آدم وحواء من الجنة التي أسكنا فيها ينفي عنها أن تكون جنة الخلد التي لا يخرج منها من دخلها أبدا. والاحتجاج بتعريف( الجنة) التي سكنها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ لا يدل أبدا علي أنها جنة المأوي, وذلك لأن الألف واللام هنا للتعريف, وليسا للتعميم ويستدل علي ذلك من وصف القرآن الكريم لعدد من جنات الأرض بالتعريف, وذلك من مثل قوله ـ تعالي: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ ( القلم:17) وكذلك فإن الاحتجاج بأن ذكر( الهبوط) من الجنة التي أدخل إليها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ يمكن أن يشير إلي النزول من السماء إلي الأرض لا سند له علي الإطلاق, وذلك لأن الهبوط قد يكون من مرتفع علي الأرض إلي ما دونه, كما قد يكون هبوطا معنويا في مثل قوله ـ تعالي ـ: (1) ﴿... وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ (البقرة:36) (2) ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ (البقرة:38) (3) ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ (الأعراف:24) أو من السفينة إلي البر, ودليلنا علي ذلك أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ التي منها: (1) ﴿... اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ..﴾ ومنه الآيات: (2) ﴿... قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ ..﴾ ( هود:48) ويؤكد حقيقة أرضية الجنة التي أدخلها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ أنهما خلقا من طين الأرض وللخلافة في الأرض, ولم يرد أنهما رفعا إلي السماء, وفي ذلك يقول ربنا ـ تبارك وتعالي: (1) ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ ( البقرة:30). (2) ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴾ ( السجدة:7). (3) ﴿ إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ﴾ ( ص:71). ويؤكد ذلك أيضا من أقوال المصطفي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قوله الشريف: إن الله ـ تعالي ـ خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض, وجاء بنو آدم علي قدر الأرض: فجاء منهم الأحمر, والأبيض, والأسود, وبين ذلك, والسهل والحزن, والخبيث والطيب( أخرجه من أئمة الحديث: أحمد, وأبو داود, الترمذي, والبزار, وابن حبان). ليس هذا فقط, بل إن هناك من أقوال ربنا ـ تبارك وتعالي ـ ما يشير إلي أن جنة الخلد ستكون في الأرض الجديدة التي سوف تتبدل عن أرضنا الحالية وسوف تحتوي كل ذراتها بالكامل وذلك من مثل آياته ـ تعالي ـ: * ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾(آل عمران:133). * ﴿ قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ﴾ ( الأعراف:25). * ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ ﴾(إبراهيم:48). * ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ (طه:55). * ﴿ وَقَالُوا الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ ﴾ (الزمر:74). * ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ ﴾ (الحديد:21). * ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً . ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً ﴾ (نوح:17,18). كل هذه الأدلة تؤكد أن الجنة التي سكنها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كانت ربوة مرتفعة علي الأرض ذات أشجار نضرة, وثمار يانعة, وظلال وارفة, تتوفر لهما فيها جميع حاجاتهما دون عناء أو تعب, فلما خالفا أمر ربهما وأكلا من الشجرة التي نهيا عنها أهبطا إلي أرض الابتلاء والنصب, والشقاء والتعب, والكدر والنكد, ولذلك قال ـ تعالي ـ: ﴿ وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ . فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ ( البقرة:36,35). وهذا الحين هو أجل كل منهما, وأجل كل فرد من ذريتهما إلي قيام الساعة, ولا يعني ذلك أبدا أنهما كانا خارجين عن حدود الأرض, فقد خلقا منها, وأدخلا الجنة عليها, وأهبط بهما من تلك الجنة الأرضية هبوطا معنويا من مقومات الرعاية الإلهية الكاملة التي لا تكلف الفرد أية مسئولية عن توفير احتياجاته كلها( الضرورية منها والكمالية) إلي واقع الكدح الحقيقي من أجل توفير شيء من تلك الاحتياجات, وتحمل المسئولية الكاملة عن تحقيق ذلك, لأن أبوينا آدم وحواء مخلوقان ابتداء للحياة علي هذه الأرض, ولذلك قال ـ تعالي ـ: ﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ..﴾ ( البقرة:30). والتجربة التي مر بها أبوانا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كانت تربية لهذين المخلوقين اللذين استخلفهما الله في الأرض, وإعدادا لهما من أجل فهم حقيقة رسالة الإنسان في هذه الحياة عبد الله, يعبده ـ تعالي ـ بما أمر, ومستخلفا في الأرض مطالبا بعمارتها وإقامة عدل الله فيها, كما هو مطالب بمقاومة كل محاولات الشيطان من أجل إغوائه عن تحقيق رسالته في هذه الحياة الدنيا, حتي تكون هذه الحياة بحق هي دار ابتلاء للإنسان وفترة اختبار وامتحان يثبت لنفسه في نهايتها استحقاقه بالخلود في الجنة أو في النار, وبذلك يقيم الحجة علي نفسه بنفسه, وإلا فإن علم الله المحيط بكل شيء غني عن هذا الاختبار حتي يميز أهل الجنة عن أهل النار. من هنا كانت حكمة الله من إدخال أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ في الجنة حتي يدركا شيئا من نعيمها, ثم يعرضهما ربهما لمحاولة من إبليس من أجل إغوائهما عن الالتزام بأوامر الله, ثم ييسر لهما التوبة إلي الله, والندم علي مخالفة أمره, ومعرفة حقيقة العدواة بين الشيطان والإنسان حتي يحتاط كل إنسان عاقل لنفسه من غواية شياطين الجن والإنس, ويعرف كيف يعود إلي ربه إذا غلبه الشيطان علي نفسه, فلا ييأس الإنسان من رحمة الله, ويتعلم كيف ينتصر علي عدوه الأول إذا شاء الانتصار عليه, ويعرف مصيره إذا سمح للشيطان بالانتصار عليه!! وقصة أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كما جاءت في كتاب الله هي من أوجه الإعجاز الإنبائي في القرآن الكريم, وهو إنباء غيبي لأن أيا من بني آدم لم يشهد خلق أبويه آدم وحواء. من هنا يتضح أن قصة خلق أبوينا آدم وحواء ـ عليهما السلام ـ كما جاءت في القرآن الكريم لم تنقل من كتب الأقدمين, وإن كان بعض التشابه في القصة يؤكد أن أصلهما واحد, وإن كان أحدهما قد تعرض للتشويه البشري, وبقي الآخر بروايته الربانية. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد النبي العربي, وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه, ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ بقلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:55 pm |
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ﴾ هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في بداية العشر الثاني من سورة البقرة, وهي سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق, ويدور محورها الرئيسي حول قضية التشريع الإسلامي. وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة, وما جاء فيها من ركائز التشريع, وأسس العقيدة, وضوابط كل من الأخلاق والسلوك, وقصص السابقين, ومن الإشارات الكونية والعلمية, وغير ذلك من الأخبار, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز الإنبائي الغيبي في الأمر الإلهي إلي الملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ كما جاء في الآية القرآنية الكريمة التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال وفي أربعة مواضع أخري من كتاب الله. من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في النص الكريم: يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ ﴾( البقرة:34) وأكد ربنا ـ تبارك اسمه ـ هذا المعني في أربعة مواضع أخري من محكم كتابه فقال: (1) ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ ﴾ ( الأعراف:11). (2) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴾ ( الإسراء:61). (3) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾ ( الكهف:50). (4) ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى ﴾ ( طه:116) وسجود الملائكة لأبينا آدم- عليه السلام- هو سجود تكريم واحترام وتوقير, لا سجود خضوع وعبادة وتسليم كسجود العباد لخالقهم- سبحانه وتعالي- وذلك لأن الله- تعالي- خص ذاته العلية وحده بالعبادة, وأمر عباده بعدم الخضوع بالسجود لغيره- سبحانه وتعالي- واعتبر ذلك ضربا من الشرك بالله. والملائكة خلق غيبي بالنسبة لنا, سابق خلقهم لخلق الإنسان, وصفهم رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بأنهم خلقوا من نور, وذلك انطلاقا من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: "خلقت الملائكة من نور, وخلق الجان من مارج من نار, وخلق آدم مما وصف لكم" ( صحيح مسلم). والملائكة يصفهم القرآن الكريم بأنهم عباد الله المكرمون, وبأنهم هم الملأ الأعلى, وهم السفرة, الكرام البررة. والإيمان بالملائكة واجب إسلامي لقول ربنا- تبارك وتعالي: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ ﴾ ( البقرة:285). ويؤكد ذلك قوله ـ سبحانه وتعالي: ﴿ ... وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً ﴾ ( النساء:136). ويصف القرآن الكريم الملائكة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي: ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ( النحل:50,49), ويقول ربنا ـ تبارك وتعالي: ﴿ وَلَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ ( الأنبياء:20,19). ويضيف القرآن الكريم في وصف الملائكة قول ربنا ـ تبارك وتعالي: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلاً أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ( فاطر:1). ويؤكد القرآن الكريم الطاعة الفطرية لله في الملائكة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عنهم بأنهم: ﴿...لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ ( التحريم:6) والأمر الإلهي للملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ وجميع ذريته إلي قيام الساعة موجودة في صلبه هو إعلان من الله ـ تعالي ـ بتكريم الإنسان, ذلك المخلوق المكرم الذي خلقه الله ـ سبحانه وتعالي ـ بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأسجد له الملائكة, وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا, وفي ذلك يقول الحق ـ تبارك وتعالي: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ (الإسراء:70). ومبعث هذا التكريم أن الله ـ تعالي ـ توج الحياة الأرضية بخلق الإنسان, وجعله أشرف هذه المخلوقات علي الإطلاق, وميزه بالبيان والعقل, وبالقدرة علي التفكير الإيجابي, وعلي اكتساب المعارف والمهارات, ومن ثم جعل الإنسان مخلوقا عاقلا مكلفا مسئولا محاسبا عن كل عمل يعمله في هذه الحياة الدنيا. فهناك العالم المادي( بجوامده, وسوائله, وغازاته), وهناك عوالم الحياة غير المكلفة: النباتية والحيوانية, وعوالم الحياة العاقلة غير المحسوسة ومنها المسخر( كالملائكة) والمكلف( كعالم الجن) وهناك الإنسان ذلك المخلوق العاقل, المكلف, المسئول, المحاسب والمدرك, الذي له القدرة علي التفكير وعلي إدراك ما يفكر فيه, كما يستطيع الإدراك في نفسه لمعان وقيم للأشياء والأفعال تجعله قادرا علي العيش في عالم من الأفكار, والتصورات, والذكريات, والعواطف, والمشاعر, والأحاسيس, والتعبير عن ذلك كله تعبيرا يقبله العقل السوي, وذلك مكن الإنسان من إدراك ذاته بصورة متميزة عن كل ما سواه من الكائنات الحية المدركة, رغم ما بينه وبينها من شبه في البناء يشير إلي وحدانية الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ وتمايز في مستوي هذا البناء تشير إلي طلاقة القدرة الإلهية التي أبدعت خلق الإنسان وإلي مبررات التكريم الذي رفعه إليه الله وهو ـ تعالي ـ الرافع الخافض. والإنسانية في الإنسان ليست بجسده المادي المعقد البناء, ولا بصفاته الجسدية الظاهرة والتشريحية الخاصة, فكل ذلك يحكمه قوانين المادة ومظاهر الحياة. والإنسانية في الإنسان ليست كذلك بنسبته إلي سلالة معينة من الكائنات هي السلالة البشرية بمعني كونه بشرا أي مخلوقا ظاهرا علي جميع الكائنات الحية الأرضية, بمعني كونه انسيا من الإنس( أي غير الجن) فهذه كلها صفات مادية محضة. ولكن الإنسانية في الإنسان هي قدرته علي الارتقاء بذاته إلى الدرجة التي تؤهله للقيام بواجبات الاستخلاف في الأرض, واحتمال تبعات التكليف الإلهي الذي كلفه به الله ـ تعالي ـ بقوله العزيز: ﴿... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴾ والارتقاء بذاته كذلك إلى الدرجة التي تؤهله لحمل الأمانة التي وصفها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بقوله العزيز: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ (الأحزاب:72). ولذلك فالإنسان توازن دقيق بين طبيعته المادية وروحه التي نفثها فيه خالقه, وجعل له عقلا يحول دون طغيان أحد جانبيه علي الآخر, وعلي ذلك فالإنسان يعلو علي متطلبات جسده بعقله, ويعلو علي أحكام عقله بروحه, لأنه يتصل بدوافع الحياة بواسطة جسده, ويتصل بخالقه عن طريق عقله وروحه. وواجب العقل البشري أن يدرك ما وسعه إدراكه من العوالم المحسوسة المدركة, ولكنه لا يستطيع إدراك ما فوق ذلك من عوالم الغيب المطلق إلا ببيان من الله ـ تعالي ـ عن طريق الوحي المنزل علي أنبياء الله ورسله. من هنا كانت ضرورة الدين لاستقامة حياة الإنسان علي الأرض, وتمكينه من تحقيق رسالته فيها بنجاح. والدين علمه الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه, وأنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين, وأتمه وختمه في الرسالة الخاتمة التي بعث بها الرسول الخاتم سيد الأولين والآخرين سيدنا محمد النبي العربي ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولما كان ليس من بعد هذا الرسول الخاتم من نبي ولا رسول, فقد تعهد ربنا ـ تبارك وتعالي ـ بحفظ رسالته الخاتمة تعهدا مطلقا فحفظت في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم المرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ في نفس لغة الوحي بها( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا وسوف تبقي محفوظة بحفظ الله ـ تعالي ـ إلى ما شاء الله حتى تبقي حجة الله علي خلقه إلي يوم الدين. والإنسان لا يمكنه أن يحيا علي هذه الأرض حياة سوية بغير الدين, والدين لا يمكن أن يكون صناعة بشرية لقيامه علي عدد من ركائز الغيب المطلق( كقضية العقيدة) وعلي فروض تعبدية لابد للإنسان من تلقي أوامرها من الله ـ سبحانه وتعالي ـ وعلي دستور أخلاقي وفقه للمعاملات وهذه من القضايا التي لا تقوي الطبيعة البشرية علي وضع أية ضوابط صحيحة فيها, ومن هنا كانت ضرورة الدين. والإنسان بفضل عقله, وإرادته الحرة المستنيرة بالعقل يستطيع التمييز بين معتقد صحيح وآخر غير صحيح, وذلك بدقة حفظ الوحي السماوي الذي أنزل بهذا المعتقد, والإنسان هو الكائن المتميز بالقدرة علي تحصيل العلم, وبالاستعداد لكسب المعارف عن طريق التحصيل, والتفكير والإلهام والالتزام بوحي السماء, وهو المخلوق الوحيد القادر علي تدبير حياته, وعلي توجيه قواه وملكاته المادية والروحية, وعلي تسخير ما في الأرض من قوي وكائنات, وما في الكون من سند وقوانين لعمارة الحياة علي الأرض, ومن ثم التعرف علي خالق الكون ومبدع الوجود, وفهم رسالته في هذه الحياة: عبدا لله, مطالبا بعبادته بما أمر, ومستخلفا ناجحا في الحياة مطالبا بعمارة الأرض وإقامة شرع الله وعدله فيها وهي مبررات الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ وبصلبه جميع بنيه. أما إبليس فهو من الجن كما جاء في سورة الكهف, والجن من عالم الغيب الذي لا نراه, وهم قد عمروا الأرض قبل الإنس, وأساءوا وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء قبل أن يسفكها بنو آدم. وقد سمي الجن جنا لاستتارهم عن أبصار الإنس. والجن خلق عاقل مكلف كالإنس, ومنهم المؤمن والكافر, وهم يأكلون ويتناسلون ويموتون, وقد عرفهم الإنس من كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ ومن سنة رسوله ـ صلي الله عليه وسلم ـ فقد جاء ذكر الجان في مواضع عديدة من القرآن الكريم, وفي العديد من أحاديث سيد المرسلين, ومن هنا وجب الإيمان بوجودهم وإن لم نستطع رؤيتهم. وقد شمل أمر الله ـ تعالي ـ إلي الملائكة بالسجود لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ كل من كان معهم ـ علي الرغم من كون الأمر للملائكة خاصة ـ وقد كان معهم إبليس وكان يعبد الله ـ سبحانه وتعالي ـ بعبادة الملائكة فشمله الأمر بالسجود لآدم ولكنه أبي. هذه الواقعة لم يشهدها أي من بني آدم, ولم يسمع بها كفار ومشركو قريش, ولم ترد في أي من كتب الأولين, ومن هنا فإن عرضها في خمسة مواضع مختلفة من القرآن الكريم( في كل من سورة البقرة, الأعراف, الإسراء, الكهف, وطه يمثل وجها من أوجه الإعجاز الإنبائي الغيبي في كتاب الله, يشهد لهذا الكتاب المجيد بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية في نفس لغة وحيه( اللغة العربية) علي مدي يزيد علي أربعة عشر قرنا, وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم حجة الله علي خلقه إلي يوم الدين, ويبقي شاهدا بأنه كلام الله الخالق, وشاهدا للرسول الخاتم بالنبوة وبالرسالة, فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ بقلم : د زغلول النجار |
love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:56 pm ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ﴾ ( الأنعام:79) هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في خواتيم النصف الأول من سورة الأنعام, وهي سورة مكية, وتعتبر خامس أطول سور القرآن الكريم, إذ يبلغ عدد آياتها مائة وخمسا وستين (165) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي الأنعام في أكثر من موضع, ومن خصائصها أنها أنزلت كاملة دفعة واحدة, ويدور المحور الرئيسي للسورة حول عدد من العقائد والتشريعات الإسلامية. هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة الأنعام وما جاء فيها من ركائز العقيدة, والتشريعات, والقصص, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي ومضة للإعجاز التاريخي والعلمي في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال. من أوجه الإعجاز التاريخي والعلمي في الآية الكريمة: أولا: من أوجه الإعجاز التاريخي:- هناك أكثر من أربعة عشرة موقفا وحدثا تاريخيا كبيرا في حياة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ الذي جاء ذكره أكثر من (63) مرة في أربع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم, كما جاءت باسمه احدي هذه السور ( سورة إبراهيم) وهي السورة الرابعة عشرة في المصحف الشريف. بينما لم يرد من هذه الوقائع الكبرى شيء يذكر في صحف الأولين عدا بعض الإشارات الهامشية من تاريخ حياته الشخصية وبعض رحلاته. وهذه المواقف والأحداث الكبرى في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ يمكن إيجازها فيما يلي: (1) استنكار إبراهيم ـ عليه السلام ـ عبادة أبيه وقومه للأصنام وقيامه بتحطيم تلك الأصنام, ومحاكمته علي ذلك, والحكم عليه بالحرق حيا, وتنجية الله ـ تعالي ـ له من النيران( الأنبياء:51 ـ73, الشعراء:69 ـ89, الصافات:83 ـ113, العنكبوت:16 ـ27). (2) واقعة تعرف إبراهيم علي خالقه من خلال التأمل في الكون( الأنعام:74 ـ90). (3) واقعة الحوار بين إبراهيم ـ عليه السلام ـ وأبيه( الأنعام:74 ـ87, مريم:41 ـ50, الأنبياء:51 ـ73, الشعراء:69 ـ89). (4) إيتاء إبراهيم النبوة, واستغفاره ـ عليه السلام ـ لأبيه...( البقرة:124 ـ130, آل عمران:33,... فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه... التوبة:114, مريم:41 ـ48). (5) حوار إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع الملك الكافر مدعي الربوبية( البقرة:258). (6) طلب إبراهيم من ربه أن يريه كيف يحيي الموتي( البقرة:260). (7) إيمان لوط لإبراهيم وهجرته معه إلي أرض فلسطين( العنكبوت:26, الأنبياء:71). ( أمر الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي عبده ونبيه سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ بوضع زوجه السيدة هاجر ـ عليها رضوان الله ـ ورضيعها إسماعيل ـ عليه السلام ـ عند مكان البيت( إبراهيم:35 ـ41). (9) استجابة الله ـ سبحانه وتعالي ـ لدعوة عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ بجعل أفئدة من الناس تهوي إلي منطقة البيت حيث وضع زوجه ورضيعها( إبراهيم:37). (10) زيارة عدد من الملائكة في هيئة البشر نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ مبشرة إياه وزوجه ( سارة) بغلام ( علي كبر) هو إسحاق وتخبره عن إهلاك قوم لوط( هود:69 ـ76, الحجر:51 ـ58, الذاريات:24 ـ34). (11) أمر الله ـ تعالي ـ لعبده ونبيه إبراهيم أن يذبح ابنه إسماعيل, ثم فداء الله ـ تعالي ـ له( الصافات:102 ـ107). (12) أمر الله ـ تعالي ـ إلي كل من نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل ـ عليهما السلام ـ برفع قواعد البيت الحرام في مكة المكرمة( البقرة:127, الحج:26). (13) الأمر من الله ـ سبحانه وتعالي ـ إلي عبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ أن يؤذن في الناس بالحج( الحج:26 ـ29). (14) ثناء الله ـ تعالي ـ علي عبده ونبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع التأكيد علي وحدة رسالة السماء وعلي الأخوة بين الأنبياء جميعا( آل عمران:84, النساء:163, النحل:120 ـ123, مريم:58). وورود هذه الوقائع بتفاصيلها, ووجود الأدلة المادية علي عدد منها( وذلك من مثل قيام بناء الكعبة المشرفة إلي اليوم, ووجود كل من الحجر الأسود, ومقام إبراهيم, وحجر إسماعيل, وبئر زمزم, ومجر الكبش, ورجوم الشيطان, ومسجد الخيف بمني, والمشعر الحرام بالمزدلفة, ومشهد الطير في مزارع شبعا, وغيرها من الآثار الباقية) مما يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, لأن أيا من كتب الأولين أو كتب التاريخ القديم لم يدون شيئا من ذلك كله. ثانيا: من أوجه الإعجاز العلمي:- يقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ في سورة الأنعام: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى القَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ ﴾ ( الأنعام:75 ـ79). ومن أوجه الإعجاز العلمي في هذه الآيات الخمس ما يلي:- (1) التمييز الدقيق بين كل من الكوكب, والقمر, والشمس, في زمن لم يكن لأحد من المخلوقين القدرة علي هذا التمييز, خاصة في صحراء جزيرة العرب, وكانت غالبية أهلها من الأميين. (2) التأكيد علي أن أفول ( أي: غياب) أي جرم سماوي هو دليل علي حدوثه, وعلي تسخيره, ومن ثم فهو دليل علي نفي إمكان أن يكون مؤلها كما فعل الضالون من قوم إبراهيم ـ عليه السلام ـ ومن قبل زمانه ومن بعده, وهذا استنتاج علمي رصين, وذلك لأن حدوث الكون يحتم فناءه, كما يؤكد حدوث جميع المخلوقات وحتمية فنائها, والحادث الفاني محتاج إلي خالق أزلي باق فوق جميع خلقه ( أي: فوق كل من المكان والزمان والمادة والطاقة والجمادات, والأحياء, والإنسان, والملائكة, والجن) حتى يكون مغايرا لخلقه مغايرة كاملة. (3) الإشارة إلي أن الله ـ تعالي ـ هو خالق الخلق, ومبدع الوجود علي غير مثال سابق لأنه هو ( الذي فطر السموات والأرض) والعلوم المكتسبة تحتم وجود مرجعية عليا للكون الذي نعيش فيه, وتعترف بضرورة مغايرة صفات تلك المرجعية لكل صفات المخلوقين فرادي ومجتمعين. (4) إعطاء النموذج العلمي للتعرف علي الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ من خلال التأمل في بديع خلقه من مثل السموات والأرض. وذلك لأن الإبداع في الخلق هو من أوضح الأدلة علي الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ فالكون بكل ما فيه من موجودات, وحركة منضبطة لا يمكن لعاقل أن يتصور إمكانية وجودها بمحض الصدفة أو لغير حكمة, أو أن كل موجود قد أوجد ذاته بنفسه, بل لابد له من موجد عظيم له من صفات الألوهية, والربوبية, والوحدانية, والخالقية ما مكنه من إبداع ذلك كله. (5) الإشارة إلي أن الإيمان بالله ـ تعالي ـ مزروع في الفطرة السليمة ( الجبلة الإنسانية), وأن الإنسان محتاج إلي إيقاظ تلك الفطرة بالتأمل في خلق الله ـ تعالي ـ, وبالاستماع إلي وحي السماء, مادامت الفطرة لم تفسد باغواء الشيطان أو بانحرافات الإنسان وفساد تصوراته. لأنه كلما بقيت فطرة الإنسان سليمة استطاعت أن تستشف دلائل الإيمان بالإله الواحد الأحد, الفرد الصمد, المنزه في أسمائه, وصفاته, وأفعاله عن جميع خلقه من تأمل الإنسان في إتقان خلقه هو, وفي إحكام خلق الكون الفسيح من حوله. (6) أن الشرك بالله ـ تعالي ـ من نقائض الإيمان به, ومن القصور في فهم مدلول الألوهية بمعني معرفة الله ـ تعالي ـ, والإيمان به, وعبادته بما أمر, خاصة أن المتأمل في الكون يري وحدة البناء التي تشمله في ثنائية ظاهرة ( من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان) مما يشهد لخالقه بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. (7) أن الوحي المنزل في القرآن الكريم بالدروس المستفادة من قصة نبي الله وعبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ يشير إلي ضرورة النظر في الكون للتعرف علي شيء من بديع صنع الله فيه, تأكيدا للإيمان بالخالق العظيم عن طريق الإدراك الحسي والوعي الملموس, وهو دعم للإيمان الفطري الذي غرسه الله ـ تعالي ـ في جبلة كل مخلوق, ثم علمه لأبينا آدم ـ عليه السلام ـ لحظة خلقه وأنزله علي سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين, وأكمله, وأتمه, وحفظه في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين ( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين), ولو قام كل إنسان عاقل بعملية التأمل الواعي في ذاته وفي الكون من حول وبقية الكائنات ما بقي علي وجه الأرض كافر أو مشرك, أو متردد في اعتقاده أو متشكك في الإيمان بالله ( سبحانه وتعالي). هذه هي بعض جوانب الإعجاز العلمي والتاريخي فيما أورده القرآن الكريم عن عبد من عباد الله هو إبراهيم ـ عليه السلام ـ الذي نشأ في بيئة وثنية تعبد الأصنام والأوثان كما تعبد النجوم والكواكب, وتعبد ملوكها من دون الله ـ سبحانه وتعالي ـ, وتعرض الآيات لموقف الفطرة السليمة عند إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين وقف متأملا في الكون من حوله, فعرف ربه من خلال التعرف علي بديع صنعه في خلق الكون من حوله, فاصطفاه الله ـ تعالي ـ وجعله نبيا رسولا. وكل من الوقائع التاريخية والحقائق العلمية التي جاءت في الآيات (75 ـ79) من سورة الأنعام تشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون قد استعار شيئا من كتب السابقين, وأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق, الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله ( صلي الله عليه وسلم), وحفظه بعهده, الذي قطعه علي ذاته العلية, في نفس لغة وحيه ( اللغة العربية), وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا حتى يبقي القرآن الكريم حجة الله البالغة علي جميع خلقه إلي يوم الدين.. فالحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي بعثة خير الأنام ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ بقلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:56 pm ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى... ﴾ ( البقرة:260) هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في العشر الأخير من سورة البقرة, وهي سورة مدنية, وآياتها ست وثمانون ومائتان(286) بعد البسملة, وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق، هذا, وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة, وما جاء فيها من ركائز العقيدة, وأسس العبادة, ومكارم الأخلاق, والتشريعات, والقصص, والإشارات الكونية, ونركز هنا علي ومضة الإعجاز التاريخي والعلمي في حوار إبراهيم مع ربه عن قضية إحياء الموتى. من أوجه الإعجاز العلمي والتاريخي في الآية الكريمة:- يروي لنا القرآن الكريم عن حوار وقع بين رب العالمين وعبده ورسوله إبراهيم ـ عليه السلام ـ فيقول: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم( البقرة:260). ومن معاني ذلك أن أبا الأنبياء إبراهيم ـ عليه السلام ـ سأل الله ـ تعالي ـ أن يبصره بكيفية إحيائه الموتى, وسؤاله هذا ليس من قبيل الشك, ولذلك قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم: "نحن أحق بالشك من إبراهيم, إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى, قال أولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي" ( أخرجه الشيخان, واللفظ للبخاري). فالسبب في سؤال نبي الله وعبده إبراهيم ـ عليه السلام ـ هو حبه العميق للانتقال بنفسه من مرحلة علم اليقين إلي مرحلة عين اليقين بالرؤية المباشرة, خاصة أنه قد وصف ربه في جداله مع الملك الكافر مدعي الربوبية قبل ذلك بآيتين( في الآية رقم258) من السورة نفسها قائلا: ﴿ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ... ﴾ فأراد أن يري عملية الإحياء من الموت رأي العين, وأن يري طلاقة القدرة الإلهية بعينيه, ويلمسها بيديه حتى يستطيع الدفاع عنها بأقوى ما يملك من الحجة البالغة والمنطق الذي لا يرد, رغم إيمانه العميق وتسليمه الكامل بأن الله ـ تعالي ـ علي كل شيء قدير. فسأله الحق ـ تبارك وتعالي ـ قائلا: أولم تؤمن فرد علي الفور: قال بلي ولكن ليطمئن قلبي. فأمره الله ـ تعالي ـ بأن يأخذ أربعة من الطير فيقربهن منه, ويميلهن إليه حتى يتعرف عليهن, وعلي مميزات كل طائر منهن فلا يخطئه إذا عاد إليه, ثم أمره الله ـ تعالي ـ أن يذبح هذه الطيور الأربع, وأن يقطع أجسادهن, ويفرق تلك القطع علي قمم الجبال المحيطة به, ثم يدعوهن فتتجمع قطع أجسادهن الممزقة مرة أخري, وترتد إليهن الحياة, ويعدن إلي نبي الله إبراهيم, وقد تحقق ذلك بالفعل, فرأي نبي الله إبراهيم رأي العين كيف يحيي الله الموتى, ورأي صورة من صور طلاقة القدرة الإلهية التي لا تحدها حدود, ولا يقف أمامها عائق. ومن الغريب أن نبي الله إبراهيم الذي تعرف علي خالقه من خلال التأمل في بديع صنع الله في الكون هو الذي يسأل هذا السؤال, وهو سؤال لم ينطلق من منطلق الشك كما أشرنا, ولكنه تشوق المحب لربه, المؤمن بطلاقة قدرته أن يري جانبا من هذه القدرة الإلهية يتحقق أمام عينيه. وهذا الشوق إلي مزيد من التعرف علي قدرة الله البالغة يتحرك في قلوب وعقول الكثيرين من عباد الله الصالحين لا شكا في الأمر, ولكن رغبة في المزيد من اليقين الحسي, الذي يزيد العبد تعرفا علي شيء من صفات الله الخالق البارئ المصور, حبا له وتقربا منه بمزيد الإيمان به عن طريق التعرف علي المزيد من طلاقة قدرته, وهذا لا يشكك في استقرار الإيمان وثبوته, ولا في تمام اليقين ورسوخه, ولكنه بلوغ اليقين الحسي عند المؤمن الذي آمن بالغيب, خاصة عند واحد من أولي العزم من الرسل, عند خليل الرحمن, وأبو جيل من الأنبياء الكرام الموصولين بالله ـ تعالي ـ, وهل بعد إيمان الأنبياء إيمان؟ وهل إيمان أمثالهم يحتاج إلي برهان؟ ولكنه الشوق لمشاهدة طلاقة القدرة الإلهية المبدعة وهي تعمل المعجزات التي لا يقوي علي مثلها أحد من المخلوقين. ومن مبررات هذا السؤال الذي سأله نبي الله إبراهيم لربه أن قضية البعث بعد الموت كانت عبر التاريخ, وحتي اليوم, وإلي أن يشاء الله, هي حجة الكفار والمتشككين, وذريعة الضالين الضائعين من بني الإنسان, إما لكفرهم بالله ـ تعالي ـ أو لقياسهم الخاطئ علي الله بمعايير البشر, والمنطق السوي يقول بتميز الخالق علي المخلوق بقدرات وصفات لا يمكن للمخلوق أن يتصورها, لأنها فوق قدرات عقله وحسه, ومن هنا كان من ركائز العقيدة الإسلامية تنزيه الله ـ سبحانه وتعالي ـ عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله. ومن هنا سخر القرآن الكريم من دعوي المتشككين في أمر البعث وأورد في الرد عليهم الشيء الكثير الذي نختار منه الآيات التالية: (1) ﴿ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ ( الأنعام:29). (2) ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ المَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ (هود:7). (3) ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾(النحل:38). (4) ﴿ وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾ ( الإسراء:49). (5) ﴿ ذَلِكَ جَزَاؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِـنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾( الإسراء:98). (6) ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ ( المؤمنون:16). (7) ﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ ( المؤمنون:37). ( ﴿ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ ( المؤمنون:82). (9) ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ ( الصافات:16). (10) ﴿ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ ( الواقعة:47). (11) ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ ( التغابن:7). (12) ﴿ وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً ﴾ ( الجن:7). ومن هنا كان رجاء نبي الله إبراهيم من الله ـ تعالي ـ أن يريه طلاقة القدرة الإلهية في هذا الأمر الذي يشهد به الخلق كله إلا عصاة الإنس والجن. فالمتأمل في الكون المادي من الذرة إلي المجموعة الشمسية إلي المجرة, فالتجمع المحلي, ثم التجمع المجري, ثم التجمع المحلي الأعظم, فالتجمع المجري الأعظم, ثم الكون المدرك كله, يري في ضخامة البناء ووحدته, وفي دقة الأداء وانتظامه ما ينفي احتمال العشوائية أو الصدفة, ويؤكد التدبير والحكمة, ويشهد للخالق ـ سبحانه وتعالي ـ بالألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة فوق جميع الخلق الذين أوجدهم الخالق ـ سبحانه وتعالي ـ في زوجية كاملة( من اللبنات الأولية للمادة إلي الإنسان) حتى يبقي ربنا ـ تبارك وتعالي ـ متفردا بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه. وكذلك المتأمل في الأحياء من الكائنات وحيدة الخلية( النباتية والحيوانية) عبر أكثر من مليون نوع من أنواع النباتات, وأكثر من مليون ونصف المليون نوع من أنواع الحياة الحيوانية حتى يصل إلي كمال الخلق في الإنسان, فإنه يدرك تمام الإدراك استحالة أن يتكون بمحض الصدفة جزيء واحد من عشرين جزيئا من جزيئات الأحماض الأمينية التي تنبني منها مئات الآلاف من جزيئات البروتين التي تتكون منها الخلية الحية, هذا فضلا عن تعقيد بناء الخلية الحية بصورة تفوق أكبر المصانع التي بناها الإنسان, بل التي فكر في إنشائها ولم يتمكن من ذلك بعد, فما بالنا بمائة تريليون( مائة مليون مليون) خلية حية في جسد كل فرد من بني آدم( في المتوسط) من الخلايا المتخصصة التي تنتظم في أنسجة, وأعضاء, وأجهزة, ونظم متخصصة تتعاون كلها في تناغم مذهل من أجل مصلحة الجسد الذي يحملها. وذلك كله مما يشهد لحقيقة الخلق, ولطلاقة قدرة الخالق ومشيئته بلا حدود ولا قيود, كما يشهد للخالق الذي أبدع هذا الخلق من العدم بالقدرة علي إفناء خلقه وعلي إعادة بعثه. وقد شرح رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ عملية البعث بعد الموت في عدد من أحاديثه الشريفة التي منها ما يلي: (1) "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب, منه خلق وفيه يركب" ( صحيح مسلم). (2) "وليس من الإنسان شيء إلا يبلي إلا عظما واحدا هو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة". (3) "ما بين النفختين أربعون... ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل. ليس من الإنسان شيء إلا يبلي إلا عظما واحدا هو عجب الذنب, ومنه يركب الخلق يوم القيامة"( صحيح البخاري). وتشير هذه الأحاديث إلي أن سر الإنسان يتركز في عظمة واحدة في حجم حبة الخردل بنهاية عموده الفقري( العصعص) سماها رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ باسم( عجب الذنب), وكل ما زاد علي ذلك من البناء الجسدي الذي ينمو من كل من عناصر الأرض ومائها يعود بعد موت الإنسان من حيث أتي إلي تراب الأرض ومائها, ويبقي عجب الذنب ليعيد الله ـ سبحانه وتعالي ـ بعث كل مخلوق حي منه في يوم البعث. ولذلك قال ـ تعالي ـ: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾ ( ق:4). وعلي الرغم من توضيح رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ هذه السنة الكونية إلا أن إرادة الله ـ تعالي ـ لا تحتاج إلي هذه السنن لقوله ـ عز من قائل ـ: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ ( يس:83,82). وهكذا رأي نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ صورة من صور طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في قضية الخلق أمرا واقعا بين يديه, والحياة والموت يتكرر حدوثهما في كل لحظة من لحظات هذا الوجود, ولا يري الناس من ذاك إلا آثاره البادية لهم, فيؤمن من يؤمن, ويكفر من يكفر, ويبقي إيجاد الحياة من العدم وإفناؤها إلي العدم, والقدرة علي إعادة بعثها من جديد واحدة من أعظم الشهادات علي طلاقة كل من الإرادة والقدرة الإلهية اللتين لا تحدهما حدود, ولا يقف أمامهما عائق. ومن أوجه الإعجاز التاريخي والعلمي البينين في الآية التي اتخذناها عنوانا لهذا المقال أن يفصل القرآن الكريم هذه الواقعة التاريخية المهمة في حياة نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ ولم يرد لها ذكر في كتب الأولين, ومن الغريب حقا أن يتطاول أهل الباطل بالادعاء الكاذب الذي أشاعوه وملأوا به أسماع أهل الأرض بأن القصص القرآني منقول عن كتب الأولين, وهذه هي الواقعة الكبرى الثالثة التي تبطل هذا الادعاء الكاذب من أساسه, وذلك من بين عشرات الوقائع والأحداث التي أوردها القرآن الكريم في تاريخ نبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ( وسبق أن عرضنا منها كلا من واقعة رفع القواعد من البيت وحوار إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع الملك الذي ادعي الربوبية في زمانه) ولم يشر أي من كتب الأقدمين إلي شيء من ذلك, علي الرغم من ورود ذكر إبراهيم ـ عليه السلام ـ عشرات المرات في عدد منها. وإيراد مثل هذه الواقعة التاريخية في كتاب الله بصيغة علمية وأدبية رصينة لما يشهد لهذا الكتاب العزيز بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية, بل هو كلام الله الخالق, الذي أنزله بعلمه, علي خاتم أنبيائه ورسله, وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية, في نفس لغة وحيه( اللغة العربية), وتعهد بهذا الحفظ تعهدا مطلقا, وقد تحقق هذا الحفظ علي مدي زاد علي أربعة عشر قرنا من الزمان, وسوف يظل القرآن الكريم محفوظا بحفظ الله ـ تعالي ـ إلي ما شاء الله, حتى يبقي شاهدا علي الخلق أجمعين بأنه كلام رب العالمين.. فالحمد لله علي نعمة الإسلام, والحمد لله علي نعمة القرآن, والحمد لله علي بعثة خير الأنام سيدنا محمد بن عبدالله ـ صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. / \ بقلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:58 pm " وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفُلْكِ المَشْحُونِ " (يس:41). [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هـذه الآية الكريمة جاءت في منتصف سورة يس , وهي سورة مكية , وآياتها ثلاثة وثمانون (83) بعد البسملة , وقد سميت بهذا الاسم الذي قيل فيه إنه من المقطعات الهجائية التي استفتحت بها تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم , أو أنه من أسماء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ، أو لقب من ألقابه الشريفة ، وذلك بدليل توجيه الخطاب إليه مباشرة في جواب القسم بالقرآن الحكيم على صدق رسالته وذلك بقول الحق ـ تبارك وتعالى : " يس . وَالْقُرْآنِ الحَكِيمِ . إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ . عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . تَنزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ . لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ " (يس:1-6) . وهذا الاستهلال العظيم الذي يلخص طبيعة الرسالة التي أوحى بها رب العالمين إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ، وهذا القسم المعظم بالقرآن الحكيم على حقيقة نبوته وصدق رسالته , وعلى استقامة منهج تلك الرسالة السماوية الخاتمة التي أنكرها كثير من الكفار والمشركين , والعصاة الضالين الغافلين , والتي أنزلها رب العالمين إنذاراً لأهل الجاهلية الذين كانوا قد فقدوا الصلة بوحي السماء , فانحرفوا عن منهج الله , وحادوا عن حقيقة رسالة الإنسان في هذه الحياة فضلوا وأضلوا , خاصة وأن المسافة الزمنية بينهم وبين آخر رسالة سماوية كانت قد طالت، فلم يكن آباؤهم الأقربون قد تلقوا مثل هذا الإنذار من الله , وهذا الإنذار كما كان لكفار ومشركي الجزيرة العربية هو للبلايين الغافلة في جنبات الأرض اليوم , ومن بدء البعثة المحمدية الشريفة وحتى قيام الساعة . وبعد هذا الاستهلال الكريم تستمر سورة يس بقول ربنا ـ تبارك وتعالى : " لَقَدْ حَقَّ القَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ . وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَداًّ وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَداًّ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ . وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ . إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ . إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ " (يس:7-12) . وهذه الآيات الكريمة تصف حال الكفار والمشركين في زمن الوحي ، وإلى يوم الدين فتقول بأن الله ـ تعالى ـ يعلم بعلمه المحيط أن أكثر الناس لن يكونوا بمؤمنين، وهؤلاء المحكوم عليهم بالشقاء , كمن جعلت الأغلال في عنقه تجمع إليها يديه إلى ما دون ذقنه , فارتفع رأسه فصار مقمحاً ـ أي مرفوع الرأس من شدة الضيق والعذاب مع غض البصر , لا يستطيع أن يطأطئ رأسه لوصول الأغلال إلى ذقنه , وهو تمثيل رائع لحال هؤلاء المصرين على الكفر بالله ـ تعالى ـ أو على الشرك به , وعلى إنكار نبوة الرسول الخاتم ـ صلى الله عليه وسلم ، والكفر برسالته , وعلى عدم الخضوع للحق الذي جاء به , فجعل الله ـ تعالى ـ بينهم وبين الحق سدوداً من أمامهم ومن خلفهم , وجعل على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون الحق أبداً , فكأنهم قد حبسوا في حظيرة الجهالات , وحرموا من النظر في الدلائل والآيات كالأعمى في جنح الظلام لا يرى نوراً , ولا يدرك طريقاً , وإنسان هذا شأنه لن يؤمن أبداً سواء جاءه من ينذره أو لم يجئه . وتوجه الآيات الحديث إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن إنذاره لا يفيد إلا من كان لديه الاستعداد الكامل لاتباع القرآن الكريم , وخشية رب العالمين الذي لا يمكن له أن يراه في الدنيا، ولكن يرى آثار إبداعه في خلقه حيثما نظر , وهذا هو الذي يستحق البشارة بمغفرة الله لسيئاته , وبمضاعفة أجره الكريم على ما قدم من حسنات . وتضيف الآيات قول الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأنه يحيي الموتى , ويسجل على عباده ما قدموا في الدنيا من أعمال , وما تركوا وراءهم فيها من آثار , وكل شيء قد أحصاه الله ـ تعالى ـ في اللوح المحفوظ ، وهو كتاب واضح مبين , به كل ما كان وما يكون إلى يوم القيامة . وفي التأكيد على عدد من ركائز العقيدة الإسلامية، وهي المحور الرئيسي للسورة ضربت الآيات بعد ذلك مثلاً بأهل قرية كان أهلها من عبدة الأوثان , فأرسل الله ـ تعالى ـ إليهم رسولين فكذبوهما , وعززهما الله برسول ثالث، وتقدم ثلاثتهم بدعواهم إلى عبادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وحده بغير شريك , ولا شبيه , ولا منازع , ولا صاحبة , ولا ولد , فكذبهم أهل هذه القرية الظالمة , ونفوا رسالتهم , كما نفوا وحي الله ـ تعالى ـ إليهم , فأجاب المرسلون بأن الله ـ جل جلاله ـ يعلم بأنه أرسلنا إليكم , وأن وظيفة الرسول هي مجرد البلاغ المبين عن رب العالمين , والأمر بعد ذلك متروك إلى الناس " فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " , وعلى الرغم من هذه السماحة فقد أخذت أهل القرية العزة بالإثم، وردوا بغلظة بالغة عليهم يلخصها القرآن الكريم في الآيتين الكريمتين التاليتين فيقول : " قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ " (يس:18-19) . وجاءهم رجل من أقصى المدينة سمع بالدعوة إلى دين الله فاستجاب لها ، وآمن بها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق , وعلامات الصدق , وسوية المنطق ، جاء يدعو قومه الضالين وهم يجحدون الحق , ويتوعدون الرسل ويتهددونهم : " وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ . اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ . وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ . أَأَتَّخِذُ مِـن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لاَ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ . إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ . إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ " (يس:20-25) . ويوحي تتابع الآيات بعد ذلك أن كفار القرية قتلوا هذا العبد المؤمن , وأن الله ـ تعالى ـ أكرمه بمنازل الشهداء , وتروي الآيات حواراً معه وهو في العالم الآخر على النحو التالي : " قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ . بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ " (يس:26,27) . وتؤكد الآيات ما نزل بقومه من العذاب , كما نزل على من سبقهم من الأمم المكذبة بدين الله , وكما ينزل اليوم بالمكذبين المعاصرين , وكما سينزل مستقبلاً على أمثالهم من الكفار والمشركين الآثمين إلى يوم الدين , وفي ذلك تقول الآيات متحسرة على الذين لا يتعظون بمصارع الهالكين : " وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ . إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ . يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ . أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ القُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ . وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ " (يس:28-32) . وتستمر السورة من الآية رقم (33 إلى 44) في استعراض عدد من الآيات الكونية الدالة على طلاقة القدرة الإلهية المبدعة في جنبات الكون , والمثبتة لحقيقة الألوهية والربوبية والوحدانية المطلقة للإله الخالق البارئ المصور فوق جميع خلقه . ومع وفرة هذه الآيات الكونية ووضوحها لكل ذي بصيرة ، فإن الغالبية من العباد في غفلة عنها , ومع كثرة أنبياء الله ورسله الذين أرسلوا لهداية أهل الأرض إلى حقيقة وجودهم ورسالتهم في هذه الحياة ، وزودوا بالعديد من الآيات والمعجزات التي تشهد على صدق دعاواهم ، فإن غالبية أهل الأرض سخروا من أنبياء الله ورسله ، وكذبوهم ، وتطاولوا عليهم , وخالفوا أوامرهم , واستعجلوا البعث الذي وعدوا به , والعذاب الذي أنذروا به وهم لا يدرون أن الله سريع الحساب وفي ذلك تقول الآيات : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ . وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ . وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ . فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ " (يس:45-50) . و (الصيحة الواحدة) هنا هي نفخة الصعق التي يموت على أثرها كل حي علي حاله , " وَهُمْ يَخِصِّمُونَ " أي مشغولون بالدنيا يتخاصمون ويتنازعون فيما انهمكوا فيه من شئونها , غافلين عن الآخرة وأهوالها . ثم تنتقل الآيات إلى مشهد البعث فتقول : " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ . إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ . فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " (يس:51-54) . و (نفخة الصور) هنا هي نفخة البعث التي يُبعث على أثرها جميع من في القبور مندهشين مذعورين متسائلين : " مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا " ؟ ثم يتذكرون ما وعدوا في حياتهم الدنيا فكذبته غالبيتهم، فيعترفون في صغار وذلة قائلين : " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ " . ثم تأتي صيحة العرض الأكبر أمام رب العالمين , وهي صيحة واحدة يجمع على إثرها جميع الخلق أمام خالقهم لحسابهم , و إذا القرار العلوي يتردد في هذا الموقف الرهيب: " فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون " (يس:54) . وتأخذ الآيات في التمييز بين نعيم أهل الجنة في الجنة، وشقاء أهل النار في الجحيم , وترتفع الأصوات مخاطبة أهل النار لتقول : " وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ . أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ . وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ . هَذِهِ جَهَنَّمُ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . اصْلَوْهَا اليَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ . الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ . وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِياًّ وَلاَ يَرْجِعُونَ " (يس:59-67) . " وَامْتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ " أي انعزلوا بعيداً وانفردوا وانفصلوا عن المؤمنين للقاء مصيركم من النار و " أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ " بمعنى أوصيكم , أو أكلفكم , و " جِبِلاًّ كَثِيراً " أي خلقاً كثيراً , و(اصلوها) أي قاسوا حرها , واحترقوا فيها . و " لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ " أي لمحونا أعينهم ومسحناها , و " فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ " أي تبادروا إلى الطريق ليجوزوه فلم يستطيعوا , " فَأَنَّى يُبْصِرُونَ " أي فكيف يبصرون؟، ومعنى " لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ " أي لبدلنا صورهم الإنسانية إلى مسخ آخر وهم في أماكنهم . هذا كله حين يحين موعد الآخرة الذي يستعجلونه تكذيباً به , واستهتاراً بهوله , أما لو تركوا في الأرض , وعمروا طويلاًً , فإنهم صائرون إلى حالة من الضعف والعجز والشيخوخة والهرم يستعجلون معه الموت , وفي ذلك تقول السورة الكريمة : " وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ " (يس:68) . وهذه النكسة هي عاقبة المكذبين في الدنيا , فلا يلقون تكريماً من الله ـ تعالى ـ في ضعف الكبر , وعجز الحواس والأطراف , وكثرة الأمراض والعلل , بينما يكرم ربنا ـ تبارك وتعالى ـ عباده الصالحين في كبرهم كما يكرمهم في آخرتهم أما الكفار والمشركون , والطغاة الظالمون المتجبرون فعقابهم في الدنيا أكيد وحسابهم في الآخرة أنكى وأشد . وبعد ذلك تعاود سورة يس ما بدأته في أولها من تأكيد على حقيقة الوحي الذي أوحاه الله ـ تعالى ـ إلى خاتم أنبيائه ورسله ـ صلى الله عليه وسلم، وعلى صدق نبوته ورسالته , وعلى حكمة القرآن وصفائه الرباني إلى الحد الذي يقسم به ربنا ـ تعالى ـ شأنه وهو الغني عن القسم بحقيقة كل ذلك، فتأتي الآيات بالرد القاطع على الذين ادعوا على رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأنه شاعر , وعلى القرآن الكريم بأنه شعر حين عجزوا عن الإتيان بشيء من مثله وهم في قمة من قمم الفصاحة والبلاغة وحسن البيان فتقول : " وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ . لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَياًّ وَيَحِقَّ القَوْلُ عَلَى الكَافِرِينَ " (يس: 69-70) . وتنتقل الآيات في ختام هذه السورة المباركة إلى استعراض عدد آخر من آيات الله في الكون حتى تكون شاهدة على طلاقة القدرة الإلهية في إبداع الخلق , وعلى قدرته ـ تعالى ـ على الإفناء والبعث , مستنكرة كفر الكافرين وشرك المشركين فتقول : " أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ .وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ . وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ . وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ . لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ . فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ . أَوَ لَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ . وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ . قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ . الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ . أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلِيمُ . إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ . فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " (يس:71-83) . وهكذا تختتم سورة يس بهذا الختام الرائع الذي يهز العقل والقلب معاًً , والذي فيه رد علمي دقيق على المشركين , وخطاب مطمئن رصين إلى خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلوات الله وسلامه عليه , وعتاب رباني رحيم لكل إنسان مدرك لحقيقة خلقه من نطفة لا ترى بالعين المجردة , ولكل متشكك في إمكانية البعث بعد الموت , أن يدرك أن الله ـ تعالى ـ قد جعل لنا من الشجر الأخضر النار التي منها نوقد، والعديد من مصادر الطاقة المتاحة للإنسان , وأن يدرك أن الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق العليم، ثم التأكيد على أن من صفات هذا الخلاق العليم أن يقول للشيء : كن فيكون؛ لأنه ـ تعالى ـ خالق كل من المادة والطاقة , والجمادات , والأحياء , والمكان والزمان , فلا يعصي أمره شيء من خلقه إلا عصاة الإنس والجن في فترة اختبارهم طوال حياتهم الأرضية القصيرة فقط , وقد أعطاهم ـ سبحانه وتعالى ـ العقل والنفس والشهوات والإرادة الحرة , وحرية الاختيار , وهم مع ذلك داخلون في دائرة قدر الله الغالب الذي لا خروج عليه ولا مهرب منه , ومن هنا ختمت هذه السورة المباركة بتأكيد أن الله ـ تعالى ـ بيده ملكوت كل شيء , وأن مصير كل موجود إليه ـ سبحانه وتعالى ـ فلا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه. وهذه الآيات الجامعة تهز القلوب الواعية، والعقول المستنيرة، والأبدان الطاهرة , ويتحرك لوقعها كل ما في الوجود . من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة يس : (1) الإيمان بأن القرآن الحكيم هو تنزيل من رب العالمين لإنذار الخلق أجمعين إنذاراً نهائياًً ؛ لأنه آخر الكتب السماوية المنزلة , وأتمها وأكملها , والكتاب السماوي الوحيد الذي تعهد ربنا ـ تبارك وتعالى ـ بحفظه فحُفظ حفظاً كاملاً , بنفس لغة وحيه ـ اللغة العربية ـ على مدى الأربعة عشر قرناً الماضية سيظل محفوظاً إلى أن يرث الله ـ تعالى ـ الأرض ومن عليها . (2) التصديق بجميع أنبياء الله ورسله , وعلى رأسهم إمامهم وخاتمهم أجمعين , سيدنا محمد بن عبد الله صاحب النور المبين , والصراط المستقيم , الذي آتاه الله ـ تعالى ـ جوامع الكلم , ولم يكن شاعراً , ولا الشعر ينبغي له؛ لأن غالبية الشعراء يتبعهم الغاوون . (3) الإيمان بالله ـ سبحانه وتعالى ـ رباً واحداً أحداً , فرداً صمداًً , لا يشاركه في ملكه شريك , ولا ينازعه في سلطانه منازع , ولا يشبهه من خلقه أحد , وهو ـ تعالى ـ منزه عن الصاحبة والولد , وهو خالق كل شيء وغيره لا يخلق , ويعلم كل شيء فلا يخرج شيء عن علمه من سر أو نجوى أو علن , وأنه يحيي الموتى ويكتب ما قدموا وآثارهم , وأن كل شيء محصى عنده في اللوح المحفوظ , وهو العزيز الرحيم النافع الضار , الذي بيده ملكوت كل شيء واليه يرجع الخلق أجمعون , وهو أحكم الحاكمين , فأمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون , وهو الذي ينزل رحماته على من يشاء من عباده المتقين . (4) اليقين بأن الشرك بالله ـ تعالى ـ كفر به , وأنه من أبشع ألوان ظلم الإنسان لنفسه , وأنه من وساوس الشيطان، وأن الشيطان للإنسان عدو مبين , ولابد لكل عاقل من تطهير عقيدته من أبسط ألوان الشرك؛ لأن التوحيد الخالص لله هو هداية الله ـ تعالى ـ لخلقه، وهو رسالة كل أنبياء الله والمرسلين منهم . (5) التصديق بحتمية الموت , وبحتمية البعث والنشور على جميع الخلق , وبحتمية الحساب والجزاء , والخلود الأبدي في الحياة الآخرة إما في الجنة أبداً أو في النار أبداًً , والتسليم بحقيقة الجنة ونعيمها , وحقيقة النار وجحيمها . / \ بقلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:58 pm |
" الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ " (الروم:1-4). [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هذه الآيات القرآنية الكريمة جاءت في مطلع سورة الروم , وهي سورة مكية يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة , شأنها في ذلك شأن كل القرآن المكي . ومن قضايا العقيدة الأساسية الإيمان بوحدانية الخالق (سبحانه وتعالى) , وبوحدة الرسالة , ووحدة الخلق , والإيمان بالآخرة وأهوالها , ومنها هول البعث , وهول الحساب , وهول الميزان , وهول الصراط , وحتمية الجزاء , وحتمية الخلود في الحياة القادمة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا . وقد ابتدأت السورة الكريمة بالتنبؤ بحدث غيبي قبل وقوعه بعدة سنوات ألا وهو انتصار الروم علي الفرس بعد هزيمتهم أمامهم قبل نزول هذه السورة المباركة بعدة سنوات . وتزخر السورة بالأمر بتسبيح الله , وتنزيهه وحمده , وبالاستشهاد بعدد كبير من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة قدرته وشمول علمه , وعدل قضائه . وتنصح السورة النبي والرسول الخاتم (صلى الله عليه وسلم) بأن يقيم وجهه لدين الإسلام الحنيف , الذي لا يرتضي ربنا (تبارك وتعالى) من عباده دينا سواه , لأنه دين الفطرة التي فطر الله (تعالى) الناس عليها , والتي لا تبديل لها , وإن كان أكثر الناس لا يعلمون ذلك , وتأمر المسلمين بالإنابة إلي الله وتقواه , كما تأمرهم بإقام الصلاة , وبالحذر من الوقوع في دنس الشرك بالله , لأن الذين أشركوا قد فرقوا دينهم , وكانوا شيعا عديدة حسب أهوائهم , وكل حزب منهم فرح بما لديه . وتحدثت السورة الكريمة عن شيء من التقلب في طبائع النفس البشرية , والذي لا تستقيم معه الحياة السوية , مثل اللجوء إلي الله تعالى في الشدة , والإعراض عنه في الرخاء , والإيمان به (تعالى) في لحظات الضيق , والشرك أو الكفر به (تعالى) وبما أنزل في لحظات السعة والرحمة , وتضرب السورة مثلا للناس من حياتهم علي سخافة فكرة الشرك بالله إذا ناقشها العقل بشيء من الموضوعية والحيدة . ومن مكارم الأخلاق التي تدعو إليها السورة الكريمة: الأمر بإخراج الزكاة وإيتاء ذي القربى , والمساكين وأبناء السبيل , والنهي عن أكل الربا , علي أن ينطلق ذلك كله من الإيمان بأن الله (تعالى) هو الخالق , الرزاق , المحيي , المميت , وتربط السورة بين ظهور الفساد في البر والبحر وبين أعمال الناس وما كسبت أيديهم , وتأمر بالسير في الأرض لاستخلاص العبر من سير الأولين ,ومصائر الظالمين . وتؤكد السورة مرة ثانية لخاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) ضرورة الاستقامة على الدين القيم من قبل أن تأتي الآخرة فيصدع بها كل الخلائق ثم يجزي كل بعمله . ومن الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة الروم علي طلاقة القدرة الإلهية : خلق السماوات والأرض , وخلق الأحياء , وخلق الإنسان , كل ذلك في زوجية تشهد للخالق وحده (سبحانه) بالوحدانية المطلقة فوق جميع خلقه , ومنها اختلاف ألسنة الناس وألوانهم , وإعطاء الإنسان الاستطاعة علي النوم بالليل أو في النهار , وعلي ابتغاء فضل الله , ومن آياته الرعد والبرق , وإنزال المطر , وإحياء الأرض بعد موتها , وقيام السماوات والأرض بأمره , وخضوع كل من فيها أو عليها بأمره , وبعث الموتى بأمره , وأنه هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده , وله المثل الأعلى في السماوات والأرض . ومن آياته إرسال الرياح برحمة منه وفضل , وجري الفلك بأمره , وإثارة السحاب , وما يستتبعه من أحداث بأمره , ومرور كل حي بمراحل من الضعف , ثم القوة , ثم الضعف والوفاة , ومن آياته أنه يحيي الموتى وأنه علي كل شيء قدير . وتذكر السورة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) بشيء من قصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين , وما أصاب أقوامهم من انتقام من الظالمين , ونصر للمؤمنين , كما تذكره (صلوات الله وسلامه عليه) بأن ما عليه إلا البلاغ . وتختتم السورة الكريمة مرة أخري بالحديث عن البعث وأهواله , وعن مصير أهل الكفر والشرك والضلال في هذا اليوم العصيب , ومصير أهل الإيمان والتقوى , وتكرر الإشارة إلي شيء من طبائع النفس البشرية , وقد ضربت لها آيات القرآن الكريم من كل مثل , ولكن الذين كفروا لا يؤمنون , فالله (تعالى) قد طبع علي قلوب الذين لا يعلمون . وتنتهي السورة بتثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم) بوصية من الله (تعالى) له بالصبر على استخفاف الكفار والمشركين بدعوته , والاطمئنان بأن وعد الله حق , وهو واقع لا محالة . والآيات الكونية الواردة في سورة الروم تحتاج إلي مجلدات لتفصيل دلالاتها , ولإظهار جوانب الإعجاز العلمي فيها , ولكني سأقتصر في هذا المقال علي الإشارة القرآنية إلي الموقع الذي هزمت فيه جيوش الروم علي أيدي جيوش الفرس بالتعبير: أدني الأرض , وقبل الدخول في ذلك لابد من عرض الدلالة اللغوية لهذا التعبير ولأقوال المفسرين فيه . أدني الأرض في اللغة العربية : يقال في اللغة: (دنا) (يدنو) (دنوا) بمعني قرب بالذات أو بالحكم , ويستعمل في المكان , والزمان , والمنزلة , كما يتعدى فيقال (أدنى) (يدني) (إدناءة) , ويقال: (دانيت) أو (أدنيت) بين الأمرين أي قاربت بينهما , حتى صارت بينهما (دناوة) أي: قرب أو قرابة . . و(الدنى) القريب , و(الدنئ) بمعني الدون , الخسيس , وقد (دنأ - يدنأ) , وفيهما (دناءة) , ويقال : (دنؤ) بمعني انحط , و(الدنيئة) هي النقيصة . قال (تعالى) : " وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ " (الأنعام:99) . وقال (سبحانه) : " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى . فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى " (النجم:9, . وفي الحديث الشريف: " إذا أكلتم فادنوا أي كلوا مما يليكم " . ويعبر بـ (الأدنى) تارة عن الأقرب فيقابل بالأبعد (أو الأقصى) من مثل قوله (تعالى) : " إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ القُصْوَى " (الأنفال:42) . وتارة ثانية يعبر بها عن الأخفض (أو الأحقر) فيقابل بالأعلى (أو الأعز) وذلك من مثل قوله (تعالى) : " يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ " (الأحزاب:59) . وتارة ثالثة تأتي بمعني الأقل في مقابل الأكثر , من مثل قوله (تعالى) : " وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ " (المجادلة:7) . وتارة رابعة يعبر بها عن الأرذل فيقابل بالذي هو خير , وذلك من مثل قوله (تعالى) : " أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ " (البقرة:61) . وتارة خامسة يعبر بها عن الأولي (الدنيا) في مقابلة الآخرة وذلك من مثل قوله (تعالى) : " مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ " (آل عمران:152) . وسميت (الدنيا) بهذا الاسم لدنوها , والجمع (الدنا) , وأصله الدنو فحذفت الواو لاجتماع الساكنين , والنسبة إليها (دنياي) , وقيل (دنيوي) ودني , ويقال: (تدني) فلان أي (دنا) قليلا قليلا , و(تدني) المستوي بمعني هبط , و(تدانوا) أي (دنا) بعضهم من بعض . شروح المفسرين : في تفسير قوله تعالى : " الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لله الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ " (الروم:1-5) . ذكر ابن كثير (يرحمه الله) قول ابن عباس (رضي الله عنهما) حيث قال : كان المشركون يحبون أن تظهر فارس علي الروم لأنهم أصحاب أوثان , وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم علي فارس , لأنهم كانوا من أهل الكتاب , فذكر ذلك لأبي بكر (رضي الله عنه) , فذكره أبو بكر لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) , فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " أما إنهم سيغلبون " , فذكره أبو بكر للمشركين , فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلا , فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا , وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا , فجعل أجل خمس سنين , فلم يظهروا , فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال : " ألا جعلتها إلى دون العشر؟ " , ثم ظهرت الروم بعد , قال فذلك قوله تعالى: " الـم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ " (الروم:1-5) . وأضاف بن كثير عدة روايات أخري للحديث عن كل من مسروق , وابن مسعود , وعكرمة (رضي الله عنهم أجمعين) في المعني نفسه , وزاد قوله:وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم , ويقال لهم بنو الأصفر , وكانوا علي دين اليونان; واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك , وكانوا يعبدون الكواكب السيارة , وهم الذين أسسوا دمشق وبنوا معبدها , فكان الروم علي دينهم إلي بعد مبعث المسيح (عليه السلام) بنحو من ثلاثمائة سنة , وكان من ملك منهم الشام مع الجزيرة يقال له (قيصر); فكان أول من دخل في دين النصارى من الروم (قسطنطين); وأمه مريم الهيلانية من أرض حران وكانت قد تنصرت قبله فدعته إلي دينها , واستمروا علي النصرانية , كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتى كان آخرهم (هرقل) , فناوأه كسري ملك الفرس , وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر , وكانوا مجوسا يعبدون النار , فتقدم عن عكرمة (رضي الله عنه) أنه قال: بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه , والمشهور أن كسري غزاه بنفسه في بلاده فقهره , وكسره وقصره حتى لم يبق معه سوي مدينة قسطنطينية فحاصره بها مدة طويلة حتى ضاقت عليه , ولم يقدر كسري علي فتح البلدة , ولا أمكنه ذلك لحصانتها , لأن نصفها من ناحية البر , ونصفها الآخر من ناحية البحر , فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هناك , ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع , فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلي التسع . وذكر صاحبا تفسير الجلالين (يرحمهما الله) كلاما موجزا في المعني نفسه , وأضافا تعليقا علي التعبير القرآني (في أدني الأرض) أن المقصود به:[ أقرب أرض الروم إلي فارس بالجزيرة , التقي فيها الجيشان , والبادي بالغزو (هم) الفرس .] . وجاء في الظلال (رحم الله كاتبها رحمة واسعة) ما نصه : ثم جاءت النبوءة الصادقة الخاصة بغلبة الروم في بضع سنين , وأضاف رواية عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) مؤكدا أن هذا الحادث قد وردت فيه روايات كثيرة , تتفق كلها في المعني والدلالة , وتختلف في الألفاظ وطرائق التعبير . وجمع الكاتب (رحمه الله) من هذه الآيات القرآنية الكريمة عددا من الإيحاءات منها : الترابط بين الشرك والكفر في كل مكان وزمان أمام دعوة التوحيد والإيمان; ومنها الثقة المطلقة في وعد الله كما تبدو في قولة أبي بكر (رضي الله عنه) في غير تلعثم ولا تردد , والمشركون يعجبون من قول صاحبه , فما يزيد علي أن يقول: صدق , ويراهنونه فيراهن وهو واثق , ثم يتحقق وعد الله , في الأجل الذي حدده: في بضع سنين . والإيحاء الثالث وهو المسارعة برد الأمر كله لله , في هذا الحادث وفي سواه , وتقرير هذه الحقيقة الكلية , لتكون ميزان الموقف , وميزان كل موقف , فالنصر والهزيمة , وظهور الدول ودثورها , وقوتها وضعفها , شأنه شأن سائر ما يقع في هذا الكون من أحداث ومن أحوال , مرده كله إلي الله . وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن ما نصه : احتربت الفرس والروم فيما بين أذرعات وبصري من أرض الروم يومئذ , وهما أقرب أراضيها بالنسبة إلي مكة , وكان ذلك قبل الهجرة بخمس سنين , وقيل بست . فظهر الفرس علي الروم , فلما بلغ الخبر مكة شق علي المؤمنين , لأن الفرس مجوس لا يدينون بكتاب , والروم أهل كتاب; وفرح المشركون وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب , ونحن والفرس أميون , وقد ظهر إخواننا علي إخوانكم , ولنظهرن نحن عليكم , فنزلت الآية وفيها: أن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين . والبضع : ما بين الثلاث إلي التسع و(غلبهم) كونهم مغلوبين . وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما نصه: غلبت فارس الروم في أقرب الأرض من العرب , وهي أطراف الشام , وهم بعد انهزامهم سيغلبون الفرس , قبل أن تمضي تسع سنوات . . وكان المشركون قد فرحوا بانتصار فارس , وقالوا للمسلمين: سنغلبكم كما غلبت فارس الروم التي هي من أهل الكتاب . . وقد حقق الله وعده فانتصر الروم علي فارس في الأجل الذي سماه , فكان ذلك آية بينة علي صدق محمد (صلى الله عليه وسلم) في دعواه وصحة ما جاء به . وجاء في الهامش التعليق التالي: في هذه الآيات الشريفة إشارة إلي حدثين : كان أولهما قد وقع بالفعل , وأما الثاني فلم يكن قد وقع بعد , وهو إخبار عن الغيب , (وحدد لوقوعه بضع سنين فيما بين الثلاث والتسع) . وتفصيل الحدث الأول أن الفرس والبيزنطيين قد اشتبكوا في معركة في بلاد الشام علي أيام خسرو أبرويز أو خسرو الثاني عاهل الفرس المعروف عند العرب بكسري . وهيراكليوس الصغير الإمبراطور الروماني المعروف عند العرب بهرقل; ففي عام614 م استولي الفرس علي أنطاكية أكبر المدن في الأقاليم الشرقية للإمبراطورية الرومانية , ثم علي دمشق , وحاصروا مدينة بيت المقدس إلي أن سقطت في أيديهم وأحرقوها ونهبوا السكان وأخذوا يذبحونهم . وتفصيل الحدث الثاني أن هرقل قيصر الروم الذي مني جيشه بالهزيمة لم يفقد الأمل في النصر , ولهذا أخذ يعد نفسه لمعركة تمحو عار الهزيمة , حتى إذا كان عام622 الميلادي (أي العام الهجري الأول) أرغم الفرس علي خوض معركة علي أرض أرمينيا وكان النصر حليف الروم , وهذا النصر كان فاتحة انتصارات الروم علي الفرس , فتحققت بشري القرآن . وثمة حدث ثالث يفهم من سياق هذه الآيات الشريفة كان مبعث فرح المسلمين وهو انتصارهم علي مشركي قريش في غزوة بدر التي وقعت في يوم الجمعة17 رمضان من العام الثاني الهجري (أي سنة624 م) . وجاء في صفوة التفاسير ما نصه : (غلبت الروم في أدنى الأرض) أي هزم جيش الروم في أقرب أرضهم إلي فارس (وهم من بعد غلبهم سيغلبون) أي وهم من بعد انهزامهم وغلبة فارس لهم سيغلبون الفرس , وينتصرون عليهم (في بضع سنين) أي في فترة لا تتجاوز بضعة أعوام; والبضع ما بين الثلاث والتسع . وأشار صاحب صفوة التفاسير (جزاه الله خيرا) إلي أقوال المفسرين السابقين وعلق علي قوله (تعالى): (وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) ما نصه: وقد التقي الجيشان في السنة السابعة من الحرب , وغلبت الروم فارس وهزمتهم , وفرح المسلمون بذلك; قال أبو السعود : وهذه الآيات من البينات الباهرة , الشاهدة بصحة النبوة , وكون القرآن من عند الله عز وجل حيث أخبر عن الغيب الذي لا يعلمه إلا الله العليم الخبير , ووقع كما أخبر , وقال البيضاوي: والآية من دلائل النبوة لأنها إخبار عن الغيب . وأضاف صاحب صفوة التفاسير في شرح قول الحق (تبارك وتعالى) : " وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ " (الروم:1-5) ما نصه : وقد صادف ذلك اليوم يوم غزوة بدر; قال ابن عباس: كان يوم بدر هزيمة عبدة الأوثان , وعبدة النيران . ويوم بدر وقع في السنة الثانية من الهجرة (الموافق سنة 624م) , وعلي ذلك فإن هزيمة الروم علي أيدي الفرس لابد وأنها كانت قد وقعت في حدود سنة 614م إلى 615م . وجاء في أطلس تاريخ الإسلام (علي واضعه رحمة الله) ما نصه:وعندما تولي هرقل عرش الروم سنة 610م (وهي سنة البعثة المحمدية) كان الفرس قد اجتاحوا بلاد الشام ومصر وهزموا البيزنطيين سنة 613م عند أنطاكية , واستولوا علي فلسطين والقدس سنة 614م , وغزوا مصر ودخلوا الإسكندرية سنة 618م أو 619م , وبعد أن أقام هرقل دولته بدأ قتال الفرس سنة 622م , وفي سنة 627م أنزل بهم هزيمة قاصمة قرب نينوى , واسترد منهم أراضي الدولة البيزنطية في أرمينيا والشام وفلسطين ومصر , وفي سنة 630م استعاد بيت المقدس . / \ بقلم : د زغلول النجار |
love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 10:59 pm كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ﴾ (القمر : 33) [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل النصف الثاني من سورة " القمر"، وهي بسورة مكية، وآياتها خمس وخمسون (55) بعد البسملة، وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة في مطلعها إلي معجزة انشقاق القمر التي أجراها ربنا ـ تبارك وتعالي ـ على يدي خاتم أنبيائه ورسله ـ صلي الله عليه وسلم ـ شهادة له بالنبوة وبالرسالة في وجه عناد كفار ومشركي قريش الذين طالبوه بشق القمر إثباتاً لنبوته ، فأكرمه الله ـ تعالي ـ بتحقيق ذلك، فآمن منهم من أمن، وكفر من كفر. ويدور المحور الرئيسي للسورة حول وصف جانب من أهوال البعث, وعرض صور من عقاب المكذبين من قوم نبي الله نوح, ومن قبيلتي عاد وثمود, ومن قوم نبي الله لوط, ومن آل فرعون, مؤكدة أن الله ـ تعالي ـ قد يسر القرآن الكريم للذكر ( أي: للتدبر والاعتبار), كما يسره للحفظ والفهم, ولكن أكثر الناس لا يعتبرون بما جاء فيه من الأخبار والقصص, والأحداث والعبر والمواعظ, ومؤكدة كذلك أن الله ـ تعالي ـ قد خلق كل شيء بإحكام بالغ, وتقدير دقيق, وأن أمره ـ سبحانه وتعالي ـ لا يرد, وهو فائق السرعة في النفاذ, وأن جميع أعمال الخلق مدونة عنده, وأنه سوف يحاسبهم عليها, وسوف يجازي المجرمين من الكفار والمشركين بالخلود في نار جهنم, كما يجازي المؤمنين المتقين بالخلود في جنات النعيم. وتبدأ السورة الكريمة بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ. وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ .وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ. وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ. حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾ (القمر : 1 -5). واقتربت الساعة أي: دنت, ونحن نعيش في كون يقدر عمره بحوالي أربعة عشر مليارا من السنين, وعلي أرض يقدر عمر أقدم صخورها بحوالي خمسة مليارات من السنين, وأقدم أثر للحياة علي سطحها بحوالي3.8 مليار من السنين, وأقدم أثر للإنسان علي سطحها بحوالي مائة ألف سنة, وقد بعث خاتم الأنبياء والمرسلين ـ صلي الله عليه وسلم ـ منذ حوالي ألف وأربعمائة وخمسين سنة, ولذلك قال في خطبة خطب بها أصحابه ذات يوم وقد كادت الشمس تغرب فلم يبق فيها إلا سف يسير فقال ـ صلوات الله وسلامه عليه: "والذي نفسي بيده ما بقي من الدنيا فيما مضي منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضي منه وما نري من الشمس إلا يسيرا" ( أخرجه البزار من رواية لأنس بن مالك رضي الله عنه). كذلك أخرج الإمام أحمد عن مسهل بن سعد أنه قال: سمعت رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يقول: " بعثت أنا والساعة هكذا, وأشار بإصبعيه السبابة والوسطي". وهذان الحديثان الشريفان وأمثالهما من أقوال هذا النبي الخاتم كثير, وما فيهما من حق هو صورة من صور الإعجاز العلمي العديدة في أقواله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وأقواله كلها حق لأنه موصوف في القرآن الكريم بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ عنه: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (النجم : 3-5). وجاء في كتب التفسير أن كفار مكة قالوا لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين ـ وكان ذلك من قبيل التعجيز والتحدي بما تصوروه أمرا مستحيلا ـ ووعدوه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بالإيمان إن هو فعل ذلك, وكانت ليلة بدر, فسأل رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ربه أن يحقق له ما طلبوا, فانشق القمر نصفين: نصف علي جبل الصفا, ونصف علي جبل قيقعان المقابل له, حتى رأوا جبل حراء بينهما, فقال الكفار: سحرنا محمد, ثم قالوا: إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم!! فقال أبو جهل: اصبروا حتى يأتينا أهل البوادي فإن أخبروا بانشقاقه فهو صحيح, وإلا فقد سحر محمد أعيننا, فجاء أهل البوادي فشهدوا علي انشقاق القمر, فقال أبو جهل ونفر من المشركين: هذا سحر مستمر أي دائم, وكذبوا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ ولم يكذبوا واقعة انشقاق القمر, وإن أولوها بالسحر بدلا من التسليم بالحقيقة القائمة, علي الرغم مما جاءهم من الأخبار عن مصائر المكذبين لرسل الله ـ تعالي ـ من الأمم السابقة عليهم, وعلي الرغم مما سمعوا من القرآن من الحكم البالغة مبلغ النهاية من كمال الهداية وروعة البيان, ولكن النذر ـ مهما بلغت ـ لا تحرك مشاعر الأشقياء من الكفار والمشركين الذين أصموا آذانهم عن الاستماع إلي الهداية الربانية. وبعد ذلك تنتقل الآيات إلي أمر رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ بالإعراض عن هؤلاء المجرمين( والأمر إليه هو أمر لجميع المؤمنين ببعثته الشريفة إلي يوم الدين) وبإنذارهم بأهوال يوم البعث فتقول:﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ.خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ.مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾(القمر: 6- . و ﴿ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ أي: ذليلة منكسرة أبصارهم لا يستطيعون رفعها من شدة الهول والرهبة والهلع, وهم يخرجون من القبور: حفاة, عراة, غرلا, كالجراد حيث يخرج من شرانقه عاريا حائرا فزعا دون جهة محددة يقصدها, ويخرجون من القبور وأعناقهم ممدودة إلي الداعي وهو الملك إسرافيل في غير تباطؤ أو تلكؤ. ثم تنتقل الآيات إلي ذكر بعض صور العذاب الدنيوي الذي أصاب عددا من مكذبي الأمم السابقة, الذين كذبوا رسل ربهم, وقاوموهم, وحاربوهم, وسخروا منهم فأنزل الله ـ تعالي ـ بهم عقابه ـ علي تباين صور ذلك العقاب ـ ولعقاب الآخرة أشد وأنكي, وبعد كل صورة من صور عقاب هؤلاء الكفار والمشركين يأتي التقرير الإلهي بقول ربنا ـ تبارك وتعالي ـ:﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر﴾(القمر:40،32،22،17) أي: أن الله ـ تعالي ـ قد يسر القرآن الكريم للقراءة والحفظ, كما يسره للتدبر والفهم, وجعل الهداية الربانية فيه للخلق, والدروس والعبر المساقة فيه لهم سهلة التناول والتدبر والاستيعاب. وجاءت هذه الإشارة بعد استعراض عقاب كل من قوم نبي الله نوح, وقبيلتي عاد وثمود, وقوم نبي الله لوط. أما في استعراض عذاب الكافرين من آل فرعون فقال ـ تعالي ـ: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ. كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر 41، 42). وبعد ذلك تتوجه الآيات بالخطاب إلي كفار ومشركي العرب مهددة ومتوعده بعذابي الدنيا والآخرة فتقول لهم ﴿ أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَائِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ. أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ. إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ. يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ (القمر : 43- 48). وفي ذلك يقول الله ـ تعالي ـ هل كفاركم ومشركوكم ـ يا معشر العرب ـ وقد بعث فيكم خاتم الأنبياء ـ صلي الله عليه وسلم ـ فكذبته غالبية منكم, وحاربت دعوته إلي الحق, فهل هؤلاء المكذبون منكم خير ممن كذب رسلي من قبل فأحللت عليهم نقمتي, وأنزلت بهم عذابي من أمثال الذين كفروا من أقوام أنبياء الله: نوح وهود وصالح ولوط, ومن آل فرعون؟ والسؤال هو من قبيل الاستفهام الإنكاري للتقريع والتوبيخ لكفار العرب!! ومعناه النفي, أي: ليس كفاركم بأفضل ممن تقدمكم من كفار الأمم السابقة عليكم والذين رفضوا دعوة أنبياء الله, وسخروا منهم واستهزؤوا بهم, وقاوموهم ـ وقاتلوهم في عناد وتكبر بالغبن فأهلكهم الله ـ تعالي ـ بذنوبهم, وكفار قريش لم تكن لهم براءة من العذاب في الكتب السماوية. ولم ينفعهم جمعهم الكبير, ولذلك توعدهم الله ـ تعالي ـ بالهزائم التي تحققت بعد ذلك في الغزوات من بدر إلي فتح مكة, وليس ذلك تمام عقابهم, بل الآخرة موعد عذابهم الحقيقي وهو أخطر وأشد, وهؤلاء المجرمون من كفار قريش ـ وأمثالهم من الكفار والمشركين في كل عصر ـ سيعيشون حياتهم الدنيوية في تخبط وحيرة وارتباك, وسوف يصلون في الآخرة نيران الجحيم المسعرة التي يسحبون فيها علي وجوههم إذلالا لهم, وزيادة في عقابهم, حيث يقول لهم خزنة جهنم, ذوقوا عذابها جزاء كفركم في الدنيا, وجزاء تكذيب أنبياء الله ورسله, والصد عن دعوته. وتختم سورة القمر بتأكيد دقة وإحكام الخلق الذي يعكس جانبا من صفات الخالق العظيم, وتأكيد هلاك الكفار والمشركين من الأمم السابقة, وجعل ذلك عبرة للمعتبرين, والتأكيد علي أن أعمال الخلق مدونة عليهم, وعلي أنهم مجزيون بها, إن خيرا فخير, وإن شرا فشر, والتأكيد كذلك علي الخلود في جنات النعيم لعباد الله المؤمنين به وبملائكته وكتبه ورسله, والمتقين لحدوده, وذلك في مقام كريم, عند رب جليل عظيم, قادر علي كل شيء, وفي ذلك تقول الآيات في ختام سورة القمر: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ. وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ. وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ. وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ . إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر : 49 – 55). من ركائز العقيدة في سورة القمر : 1 ـ الإيمان بدنو الآخرة وبحتميتها, وأول أحداثها آخر ساعة من عمر الدنيا التي يبدأ النظام الكوني عندها في التهدم وما سوف يصاحب ذلك من أهوال الساعة, ويلي ذلك انسحاق الكون في نقطة واحدة, ثم تحركها إلي دخان تخلق منه أرض غير أرضنا( التي سوف تحتوي بالكامل فيها) وسماوات غير السماوات المحيطة بنا, ثم يبعث الخلق, ويحشرون للحساب والجزاء, وأوله الخلود إما في الجنة أو في النار. 2 ـ التصديق بجميع المعجزات الحسية التي أيد الله ـ تعالي ـ بها أنبياءه, ومنها انشقاق القمر كرامة لرسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ وقد حدث ذلك في مرتين منفصلتين كانت إحداهما وهو في مكة المكرمة والثانية في مني كما تروي لنا كتب السيرة. 3 ـ التسليم بضرورة دعوة الناس جميعا إلي دين الله الحق, فإن أعرضوا وصدوا, واستكبروا ورفضوا, فإن المفاصلة بين أهل الإيمان من جهة, وأهل الكفر والشرك والضلال من جهة أخري, تصبح واجبة. 4 ـ اليقين بأن البشر جميعا سوف يبعثون من قبورهم عراة, حفاة, غرلا, فزعين مرتبكين كالجراد المنتشر من شرانقه لا يدري له وجهة, ولا يعرف له طريقا, وهذا تعبير عن جانب من أهوال يوم البعث التي سوف يتعرض لها جميع المبعوثين إلا عباد الله الصالحين. 5 ـ التصديق بتفاصيل القصص القرآني عن الأمم السابقة, وعن طرائق عقاب الله ـ تعالي ـ للمكذبين منهم, والتصديق كذلك بأن عقاب الله ليس بعيدا عن الكفار والمشركين, ولا عن المتطاولين المكذبين في كل عصر إلي يوم الدين. 6 ـ التسليم بأن أنبياء الله ورسله قوبلوا بالمعارضة والتكذيب, وبالطعن والزجر, وبالاستهزاء والرفض, وبالمقاومة والقتل, وبمختلف صور الاتهام من الجنون إلي السحر, إلي الشعوذة والشعر, والاختلاق والكذب, وإلي غير ذلك مما نزههم الله ـ تعالي ـ عنه من الصفات التي لا تليق بأمثالهم. 7 ـ الإيمان بأن الله ـ تعالي ـ قد يسر القرآن الكريم للقراءة والفهم, وللتدبر والحفظ, وللاتعاظ والاعتبار, وتلقي الهداية والدرس. 8 ـ التصديق بأن أمر الله ـ تعالي ـ نافذ لا محالة, لا يحتاج إلي تأكيد ولا إلي زمن: إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون, ولذلك قال تعالي: في سورة القمر: ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾( القمر:50). 9 ـ اليقين بأن أعمال الخلق ـ صغيرها وكبيرها ـ مدونة عند رب العالمين, وعليها يكون الحساب والجزاء. 10 ـ التسليم بأن مصير المتقين من عباد الله ـ تعالي ـ هو الخلود في جنات النعيم, والخلود فيها من أعظم مقامات التكريم, بينما الكفار والمشركون والعصاة المجرمون المتنطعون من الخلق المكلفين سوف يسحبون علي وجوههم في النار, وهو من أشد صور العقاب والإذلال لهم, ويقول لهم خزنتها: ذوقوا مس سقر. 11 ـ الإيمان بأن الله ـ تعالي ـ هو( المليك المقتدر) الذي لا ينازعه أحد في ملكه, ولا يشاركه أحد في سلطانه, ولا يشبهه أحد من خلقه, ولا يتوقف شيء عن أمره. من الإشارات التاريخية والعلمية في سورة " القمر" : 1- الإشارة إلي قرب الآخرة باقتراب الساعة. 2- إثبات انشقاق القمر. 3- تدوين إدعاء الكفار والمشركين من قريش بأن انشقاق القمر كان سحرا مستمرا سحر أعينهم أو سحر القمر، وفي ذلك إثبات للواقعة التاريخية التى لم ينكروها ولكن أولوا تفسيرها حسب أهوائهم إنكارا لوقوع المعجزة. 4- تشبيه خروج الموتى من قبورهم عريا ساعة البعث بخروج حشرات الجراد كاملة من شرانقها التى تنشر فيها يرقاتها فيما يشبه القبر استعدادا للمرور بمرحلة العذراء (الحورية) أو الخادرة، وفي هذه المرحلة يعاد خلق الحشرة بأكملها التى تخرج عارية تماما وكانت عملية البعث لبني آدم حيث تذاب اليرقة ذوبانا كاملا ثم يكون بعثها بعد أسبوعين إلي ثلاثة أسابيع على هيئة الحشرة الكاملة التى تختلف اختلافا تاما عن اليرقة التى جاءت منها ـ وكذلك بعث الأموات من قبورهم في أواسط أعمارهم، كل من عجب ذنبه. 5- الإعجاز التاريخي في وصف عقاب خمسة من كفار ومشركي الأمم السابقة هم قوم نوح، قبيلتا عاد وثمود، قوم لوط، وآل فرعون، وذلك بدقة بالغة، بدأت الكشوف الآثارية في إثباتها. 6- التأكيد على إغراق قوم نوج بماء عذب هو ماء كل من المطر وعيون الأرض، والتأكيد على حتمية اكتشاف سفينة نوح وقد تم ذلك منذ سنوات قليلة، وهو من الإعجاز التاريخي والعلمي، والإنبائي :" وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ (القمر: 15). 7- الإشارة إلي تيسير القرآن للذكر، وهو ما أثبتته الدراسات القرآنية واللغوية. 8- الإعجاز الإنبائي بالأخبار عن هزيمة كفار ومشركي العرب ـ على الرغم من كثرتهم ـ أمام جيوش المسلمين، وقد تحقق ذلك بعد نزول هذه الآيات بعدد من السنين. 9- التأكيد على خلق كل شئ بقدر أي بتقدير محكم دقيق. وكل قضية من هذه القضايا يحتاج إلي معالجة خاصة بها، ولذلك فسوف أقصر الحديث في المقال القادم أن شاء الله ـ تعالي ـ إلي جزء من النقطة الخامسة بعرض لعقاب قوم بني الله لوط ـ عليه السلام ـ وما جاء في قصتهم من إعجاز تاريخي وعلمي. / \ بقلم : د زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 11:02 pm (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ *)(النحل:125) هذه الآية الكريمة جاءت في خواتيم سورة النحل, وهي سورة مكية, وآياتها (128) بعد البسملة, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي النحل. ويدور المحور الرئيس للسورة حول العقيدة الإسلامية.ومن أوجه الإعجاز في النص الكريم: انطلاقا من رحمة الله - تعالي- بعباده قضي أن يعلم أباهم آدم - عليه السلام- الأسماء كلها لحظة خلقه وعند استخلافه في الأرض, علمه حقيقة رسالته في الحياة الدنيا, وغرس في الجبلة الإنسانية الإيمان الفطري به. ونظرا لمحاولات الشيطان إخراج البشر جميعا عن طريق الهداية الربانية إلي متاهات الكفر والشرك والضلال فإن الله - تعالي- أرسل سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين لتذكير الناس بالعهد الذي أخذه - تعالي- عليهم وهم في عالم الذر, ولهدايتهم إلي الطريق المستقيم. ثم أكمل ربنا تبارك - وتعالي- هدايته لخلقه في بعثة الرسول الخاتم - صلي الله عليه وسلم- الذي ليس من بعده نبي ولا رسول, ولذلك تعهد بحفظ رسالته في القرآن الكريم وفي سنة خاتم المرسلين, وأوصاه كما أوصي جميع المؤمنين برسالته بالدعوة إلي دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة, وبجدال الناس بالتي هي أحسن حتى يهتدوا إلي الحق, ويتغلبوا علي نزغات الشيطان في صراعه الدائم معهم. وذلك لأن الإنسان في الأصل مخلوق مكرم: خلقه الله - تعالي- بيديه, ونفخ فيه من روحه, وعلمه من علمه, وأسكنه الجنة, وأسجد له الملائكة, وفضله علي كثير ممن خلق تفضيلا. ولذلك فإن النفس الإنسانية يبقي لها شيء من الكبرياء والاعتداد بالرأي - حتى وإن ضلت- ويبقي لها شيء من حب الدفاع عن الموروث - وإن كان فاسدا- فيدفعها ذلك إلي شيء من العناد والمكابرة الذي لا يطفئ حدته إلا الرفق في الموعظة حتى تصل إلي الخير الفطري في القلوب والنفوس وإن ران عليها كثير من الحجب بالخطايا والذنوب. كذلك يقول ربنا- تبارك وتعالي- مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله- صلي الله عليه وسلم- قائلا له: ادع إلي الدين الذي بعثك به ربك هداية لجميع خلقه (بالحكمة) أي بالأسلوب الحكيم وباللطف والرفق واللين, (والموعظة الحسنة) أي: وبالعبر الجميلة التي جاءت في هذه السورة المباركة, وفي غيرها من سور القرآن الكريم. وذكرهم بنعم الله عليهم - وهي لا تحصي- حتى يدركوا حاجتهم إلي هداية ورعاية خالقهم الذي هو رب هذا الكون ومليكه, بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد. ثم يضيف ربنا - تبارك وتعالي- أمره بجدال المخالفين بأفضل طرق المحاورة, وأرق أساليب المناظرة, لإظهار الحق بالحجة الواضحة, والبرهان القاطع, والمنطق السوي فيقول- تعالي: (...وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...) والخطاب الإلهي إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم- ملزم لجميع المؤمنين بنبوته ورسالته إلي قيام الساعة, والنص القرآني الذي نحن بصدده يطالبهم بالدعوة إلي دين الله ويضع لهم الأسس والمبادئ والوسائل الصحيحة لتحقيق ذلك والتي يمكن إيجازها فيما يلي: أن الدعوة إلي دين الله واجب إسلامي علي كل قادر, انطلاقا من الإيمان بأن الدين عند الله الإسلام, ووفاء لحقوق الأخوة الإنسانية التي ترد الناس جميعا إلي أبوين وحيدين هما آدم وحواء -عليهما السلام- أن تكون الدعوة خالصة لله - تعالي- ومجردة عن الأهواء الشخصية الفردية والجماعية, وذلك طلبا لمرضاة الله ورجاء الوفاء لنعمة الإسلام, والنجاة في الآخرة, دون أن يكون هناك فضل للداعي علي الدعوة أو علي الذين يهتدون إليها. وأن يتحقق ذلك بالحكمة التي تقتضي النظر في أحوال المدعوين وظروفهم, وبالتدرج الذي يتناسب مع تلك الأحوال والظروف, وبالطرق المناسبة لمستوياتهم الثقافية وأحوالهم الاجتماعية والنفسية. وأن يتم بالموعظة الحسنة التي تصل إلي القلوب والعقول برفق, وتحرك المشاعر بشيء من الإقناع المنطقي الواعي. وأن يصاحب بالمجادلة بالتي هي أحسن, دون أدني قدر من التحامل أو جرح المشاعر حتى يتم الوصول إلي الاقتناع بالحق دون مساس بكبرياء النفوس فلا تشعر بالهزيمة عند وصولها إلي مرحلة الاعتراف بالحق وقبوله. ولتأكيد ضرورة الالتزام بهذا المنهج ختم الله- تعالي- الآية الكريمة بقوله العزيز: (...إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ *) حتى يقلل من غرور الداعي إذا نجح في إقناع غيره بالدين الحق لأن الله- سبحانه وتعالي- هو الذي يعين المخلصين الطالبين له حتى يصلوا إليه, ويترك العصاة الضالين لضلالهم. وهنا يتضح وجه الإعجاز التشريعي والأخلاقي في أسلوب الدعوة إلي دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبالجدال الأخلاقي الرفيع. / \ بقلم : الدكتور زغلول النجار love tale- المدير العام
- تاريخ التسجيل : 22/08/2008
عدد المساهمات : 5269 العمر : 40 المزاج : الجنس : الدولة : نقاط : 50068 السٌّمعَة : 4 احترام قوانين المنتدى :
من طرف love tale الجمعة 08 يوليو 2016, 11:05 pm إن طائرات الأواكس التي تستعملها جيوش العصر الحديث صممت خصيصا لتكشف في وقت مبكر عن توقيت الهجوم و اتجاههه. الأواكس هو منتج صرف عليه ملايين الدولارات، وعمل على تطويره مئات العلماء و المهندسين اذ يمكن لها التجسس على أنشطة العدو الذي يكون بعيدا عنها، وذلك باستعمال رادار عملاق موضوع على السطح و نظم معلوماتية معقدة. kelebek1 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] في الطبيعة مخلوق صغير يملك طوال حياته قدرة فائقة مماثلة لتلك الموجودة عند طائرات الأواكس. على عكس الذباب، بعض الفراشات مجهزة بجهاز إنذار مبكر مثل تلك الموجودة في طائرات الأواكس. بفضل الآذان الموجودة تحت أجنحتها، هذه الفراشات يمكن أن تلتقط الموجات الصوتية المنبعثة من أعدائها (الخفافيش) على بعد مئات الأمتار. و يمكنها معرفة إحداثيات العدو و تحديد ما إذا كان الهجوم الذي يستهدفها قد بدأ أم لا. فمن جهة طائرة الأواكس تزن 150 طن بمدى يصل إلى 40 متر و بطول 44 متر، و من جهة أخرى فراشة تزن بعض الغرامات بمدى 2.5 سنتمتر و طول 2 سنتمتر، كلاهما يملكان نفس الخصائص التكنولوجية أضف إلى ذلك، طائرة الأواكس تحتاج إلى 9.5 طن من الكيروسين للقيام بالطيران، إلا أن الفراشة يكفيها فقط بعض المليغرامات من النسغ الذي تستخرجه من النباتات حتى تقوم بالطيران، بينما الأواكس تستخدم كيلومترات من الكابلات لتشغيل رادارها و حواسيبها، يكفي فقط ليفان عصبيان قصيران لنظام الكشف الممتاز لدى الفراشة. جهاز الإنذار المبكر الذي صنعه الإنسان بعد مئات السنين من الأبحاث العلمية المتراكمة و الذي استطاع بالكاد أن يصلح في طائرات تزن عدة أطنان، نفذ تحت أجنحة فراشة تزن بضعة غرامات في مساحة بحجم عود الثقاب. رغم كل الفرص المستخدمة من الإنسان الذي يجد صعوبة بالغة في صنع مثل هذا النظام، الله سبحانه وتعالى خلقه بصفة متقنة في جسم فراشة صغيرة. قال تعالى (هو الله، الخالق، البارئ، المصور له الأسماء الحسنى، يسبح له ما في السموات و الأرض و هو العزيز الحكيم) . الآية 24 من سورة الحشر / \ بقلم : د هارون يحي
| |
الأربعاء 10 يناير 2024, 7:46 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالرياض شعاع كلين
الجمعة 22 ديسمبر 2023, 12:20 pm من طرف love tale
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:10 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:10 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:09 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:09 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:09 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:08 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:08 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:07 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:07 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:07 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالدمام شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:06 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالقطيف شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:05 pm من طرف sh3a3-clean
» شركة تنظيف بالقطيف شعاع كلين
الثلاثاء 12 ديسمبر 2023, 7:05 pm من طرف sh3a3-clean